ربكم الذي يتعين على الخلق كلهم القيام بعبوديته، لأنه رباهم، وأنعم عليهم، بالنعم الظاهرة والباطنة، وهو الله تعالى.

فلما أعرضوا عن هذا الأمر، الذي هو أوجب الواجبات، وقمتم به، عادوكم، وأخرجوكم - من أجله - من دياركم، فأي دين، وأي مروءة وعقل، يبقى مع العبد إذا والى الكفار الذين هذا وصفهم في كل زمان أو مكان؟ " ولا يمنعهم منه إلا خوف، أو مانع قوي.

{إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي} أي: إن كان خروجكم مقصودكم به الجهاد في سبيل الله، لإعلاء كلمة الله، وابتغاء مرضاة الله (3) فاعملوا بمقتضى هذا، من موالاة أولياء الله ومعاداة أعدائه، فإن هذا هو الجهاد في سبيله (4) وهو من أعظم ما يتقرب به المتقربون إلى ربهم ويبتغون به رضاه.

{تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ} أي: كيف تسرون المودة للكافرين وتخفونها، مع علمكم أن الله عالم بما تخفون وما تعلنون؟!،فهو وإن خفي على المؤمنين، فلا يخفى على الله تعالى، وسيجازي العباد بما يعلمه منهم من الخير والشر، {وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ} أي: موالاة الكافرين بعد ما حذركم الله منها {فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ} لأنه سلك مسلكا مخالفا للشرع وللعقل والمروءة الإنسانية.

ثم بين تعالى شدة عداوتهم، تهييجا للمؤمنين على عداوتهم، {إِنْ يَثْقَفُوكُمْ} أي: يجدوكم، وتسنح لهم الفرصة في أذاكم، {يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً} ظاهرين {وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ} بالقتل والضرب، ونحو ذلك.

{وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ} أي: بالقول الذي يسوء، من شتم وغيره، {وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ} فإن هذا غاية ما يريدون منكم.

فإن احتججتم وقلتم: نوالي الكفار لأجل القرابة والأموال، فلن تغني عنكم أموالكم ولا أولادكم من الله شيئا. {والله بما تعملون بصير} فلذلك حذركم من موالاة الكافرين الذين تضركم موالاتهم.

قد كان لكم يا معشر المؤمنين {أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} أي: قدوة صالحة وائتمام ينفعكم، {فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ} من المؤمنين، لأنكم قد أمرتم أن تتبعوا ملة إبراهيم حنيفا، {إِذْ قَالُوا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015