وَكُتُبْهِ وَرُسُلِهِ وَاليَوْمِ الآخَرِ، وَيَسْتَكْبِرْ وَيُوَالِ أَعْدَاءَ اللهِ فَإِنَّهُ لاَ يَضُرُّ بِذَلِكَ إِلاَّ نَفْسَهُ، فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنْهُ وَعَنْ إِيمَانِهِ وَعَنْ طَاعَتِهِ، مَحْمُودٌ بأنْعُمِهِ وَأَفْضَالِهِ عَلَى خَلْقِهِ.
ثُمَّ قَالَ اللهُ تَعَالَى لِلْمُؤْمِنينَ تَطْيِباً لِقُلُوبِهِمْ، إِنَّهُ قَدْ يَغْرِسُ فِي قُلُوبِ الكَافِرِينَ مِنْ أَهْلِهِمْ وَمِنْ أَقْرْبَائِهِمْ مَحَّبَةَ الإِسْلاَمِ، فَيَتِمُّ التَّوادُّ، وَيَتِمُّ التَّصَافِي بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ هَؤُلاَءِ الذِينَ كَانُوا يُعَادُونَهُمْ، وَيُقَاطِعُونَهُمْ فِي الدِينِ، وَاللهُ قَدِيرٌ عَلَى مَا يَشَاءُ، غَفُورٌ لِخَطِيئَةِ الَّذِينَ أَلْقَوا إِلَيهِمْ بِالمَوَدَّةِ إِذَا تَابُوا مِنْهَا، رَحِيمٌ بِهِمْ، فَلاَ يُعَذِّبُهُمْ بَعْدَ تَوْبَتِهِ عَلَيْهِمْ مِنْ ذَنْبِهِمْ.
وعَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: نَزَلَتْ فِي أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ، وَكَانَتْ لَهَا أُمٌّ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يُقَالَ لَهَا قُتَيْلَةُ ابْنَةُ عَبْدِ الْعُزَّى، فَأَتَتْهَا بِهَدَايَا وَصِنَابٍ وَأَقِطٍ وَسَمْنٍ، فَقَالَتْ: لَا أَقْبَلُ لَكِ هَدِيَّةً، وَلَا تُدْخِلِي عَلَيَّ حَتَّى يَأْذَنَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَذَكَرَتْ ذَلِكَ عَائِشَةُ لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -،فَأَنْزَلَ اللَّهُ {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ} [الممتحنة:8] إِلَى قَوْلِهِ: {الْمُقْسِطِينَ} [الممتحنة:8] (?).
إِنَّ اللهَ تَعَالَى لاَ يَنْهَاكُمْ عَنِ الإِحْسَانِ إِلَى الكُفَّارِ الذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ، وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ، وَلَمْ يُعَاوِنُوا فِي إِخْرَاجِكُمْ مِنْهَا، وَلاَ يَمْنَعُكُمْ مِنْ إِكْرَامِهِمْ، وَمَنْحِهِمْ صِلَتَكُمْ، لأَنَّ اللهَ يُحِبُّ أَهْلَ البِرِّ والتَّوَاصُل. إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللهُ مُوَالاَةِ الكُفَّارِ الذِينَ نَاصَبُوكُمُ العِدَاءَ فِي الدِّينِ فَقَاتَلُوكُمْ، وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ وَدِيَارِكُمْ، وَأَعَانُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ، فَهَؤُلاَءِ يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنْ مُوَالاَتِهِمْ، وَعَنْ اتَّخَاذِهِمْ أَنْصَاراً، وَيَأْمُرُكُمْ بِمُعَادَاتِهِمْ. وَيُؤَكِّدُ اللهُ تَعَالَى الوَعِيدَ عَلَى مُوَالاَتِهِمْ فِيُبَيِّنُ: أَنَّ الذِينَ يَتَوَلَّوْنَ هَؤُلاَءِ الكُفَّارَ المُؤْذِينَ هُمُ الظَّالِمُونَ لأَنَّهُمْ خَالُفوا أَمْرَ اللهِ فَوَالَوْا أَعْدَاءَهُ وَأَعْدَاءَهُمْ. (?)
وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: عُنِيَ بِذَلِكَ: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ} [الممتحنة:8] مِنْ جَمِيعِ أَصْنَافِ الْمِلَلِ وَالْأَدْيَانِ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتَصِلُوهُمْ، وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ، إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ عَمَّ بِقَوْلِهِ: الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ