أحقادهم التي لا يذهب بها ود يبذله المسلمون، ولا تغسلها سماحة يعلمها لهم الدين .. ومع ذلك نعود، فنفتح لهم قلوبنا ونتخذ منهم رفقاء في الحياة والطريق! .. وتبلغ بنا المجاملة، أو تبلغ بنا الهزيمة الروحية أن نجاملهم في عقيدتنا فنتحاشى ذكرها، وفي منهج حياتنا فلا نقيمه على أساس الإسلام، وفي تزوير تاريخنا وطمس معالمه كي نتقي فيه ذكر أي صدام كان بين أسلافنا وهؤلاء الأعداء المتربصين! ومن ثم يحل علينا جزاء المخالفين عن أمر الله. ومن هنا نذل ونضعف ونستخذي. ومن هنا نلقى العنت الذي يوده أعداؤنا لنا، ونلقى الخبال الذي يدسونه في صفوفنا .. وها هو ذا كتاب الله يعلمنا - كما علم الجماعة المسلمة الأولى - كيف نتقي كيدهم، وندفع أذاهم، وننجو من الشر الذي تكنه صدورهم، ويفلت على ألسنتهم منه شواظ: «وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً. إِنَّ اللَّهَ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ» ..
فهو الصبر والعزم والصمود أمام قوتهم إن كانوا أقوياء وأمام مكرهم وكيدهم إن سلكوا طريق الوقيعة والخداع. الصبر والتماسك لا الانهيار والتخاذل ولا التنازل عن العقيدة كلها أو بعضها اتقاء لشرهم المتوقع أو كسبا لودهم المدخول .. ثم هو التقوى: الخوف من الله وحده. ومراقبته وحده .. هو تقوى الله التي تربط القلوب بالله، فلا تلتقي مع أحد إلا في منهجه، ولا تعتصم بحبل إلا حبله .. وحين يتصل القلب بالله فإنه سيحقر كل قوة غير قوته وستشد هذه الرابطة من عزيمته، فلا يستسلم من قريب، ولا يواد من حاد الله ورسوله، طلبا للنجاة أو كسبا للعزة! هذا هو الطريق: الصبر والتقوى .. التماسك والاعتصام بحبل الله. وما استمسك المسلمون في تاريخهم كله بعروة الله وحدها، وحققوا منهج الله في حياتهم كلها .. إلا عزوا وانتصروا، ووقاهم الله كيد أعدائهم، وكانت كلمتهم هي العليا. وما استمسك المسلمون في تاريخهم كله بعروة أعدائهم الطبيعيين، الذين يحاربون عقيدتهم ومنهجهم سرا وجهرا، واستمعوا إلى مشورتهم، واتخذوا منهم بطانة وأصدقاء وأعوانا وخبراء ومستشارين .. إلا كتب الله عليهم الهزيمة، ومكن لأعدائهم فيهم، وأذل رقابهم، وأذاقهم وبال أمرهم ..