يَقُولُ: لَا تَتَّخِذُوا أَوْلِيَاءَ وَأَصْدِقَاءَ لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ دُونِكُمْ، يَقُولُ: مِنْ دُونِ أَهْلِ دِينِكُمْ وَمِلَّتِكُمْ، يَعْنِي مِنْ غَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ، وَإِنَّمَا جَعَلَ الْبِطَانَةَ مَثَلًا لِخَلِيلِ الرَّجُلِ فَشَبَّهَهُ بِمَا وَلِيَ بَطْنَهُ مِنْ ثِيَابِهِ لِحُلُولِهِ مِنْهُ فِي اطِّلَاعِهِ عَلَى أَسْرَارِهِ، وَمَا يَطْوِيهِ عَنْ أَبَاعِدِهِ وَكَثِيرٍ مِنْ أَقَارِبِهِ، مَحَلَّ مَا وَلِيَ جَسَدَهُ مِنْ ثِيَابَهُ، فَنَهَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ بِهِ أَنْ يَتَّخِذُوا مِنَ الْكُفَّارِ بِهِ أَخِلَّاءَ وَأَصْفِيَاءَ ثُمَّ عَرَّفَهُمْ مَا هُمْ عَلَيْهِ لَهُمْ مُنْطَوُونَ مِنَ الْغِشِّ وَالْخِيَانَةِ، وَبَغْيَهُمْ إِيَّاهُمُ الْغَوَائِلَ، فَحَذَّرَهُمْ بِذَلِكَ مِنْهُمْ عَلَى مُخَالَفَتِهِمْ، فَقَالَ تَعَالَى ذِكْرُهُ: {لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا} [آل عمران:118] يَعْنِي لَا يَسْتَطِيعُونَ شَرًّا، مِنْ أَلَوْتُ آلُو أُلُوًّا، يُقَالُ: مَا أَلَا فُلَانٌ كَذَا، أَيْ مَا اسْتَطَاعَ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
جَهْرَاءُ لَا تَأْلُو إِذَا هِيَ أَظْهَرَتْ ... بَصَرًا وَلَا مِنْ عَيْلَةٍ تُغْنِينِي
يَعْنِي لَا تَسْتَطِيعُ عِنْدَ الظُّهْرِ إِبْصَارًا. وَإِنَّمَا يَعْنِي جَلَّ ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ: {لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا} [آل عمران:118] الْبِطَانَةُ الَّتِي نَهَى الْمُؤْمِنِينَ عَنِ اتِّخَاذِهَا مِنْ دُونِهِمْ، فَقَالَ: إِنَّ هَذِهِ الْبِطَانَةَ لَا تَتْرُكُكُمْ طَاقَتُهَا خَبَالًا: أَيْ لَا تَدَعُ جَهَدَهَا فِيمَا أَوْرَثَكُمُ الْخَبَالَ وَأَصْلُ الْخَبَالِ، وَالْخَبَالُ: الْفَسَادُ، ثُمَّ يُسْتَعْمَلُ فِي مَعَانٍ كَثِيرَةٍ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ الْخَبَرُ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ أُصِيبَ بَخَبَلٍ أَوْ جِرَاحٍ» وَأَمَّا قَوْلُهُ: {وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ} [آل عمران:118] فَإِنَّهُ يَعْنِي: وَدُّوا عَنَتَكُمْ، يَقُولُ: يَتَمَنَّوْنَ لَكُمُ الْعَنَتَ وَالشَّرَّ فِي دِينِكُمْ وَمَا يَسُوءُكُمْ وَلَا يَسُرُّكُمْ. ذُكِرَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي قَوْمٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا يُخَالِطُونَ حُلَفَاءَهُمْ مِنَ الْيَهُودِ وَأَهْلِ النِّفَاقِ مِنْهُمْ، وَيُصَافُونَهُمُ الْمَوَدَّةَ بِالْأَسْبَابِ الَّتِي كَانَتْ بَيْنَهُمْ فِي جَاهِلِيَّتِهِمْ قَبْلَ الْإِسْلَامِ، فَنَهَاهُمُ اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ وَأَنْ يَسْتَنْصِحُوهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْ أُمُورِهِمْ" (?)
وقال السعدي:"ينهى تعالى عباده المؤمنين أن يتخذوا بطانة من المنافقين من أهل الكتاب وغيرهم يظهرونهم على سرائرهم أو يولونهم بعض الأعمال الإسلامية وذلك أنهم هم الأعداء الذين امتلأت قلوبهم من العداوة والبغضاء فظهرت على أفواههم {وما تخفي صدورهم أكبر} مما يسمع منهم فلهذا {لا يألونكم خبالا} أي: لا يقصرون في حصول الضرر عليكم والمشقة وعمل الأسباب التي فيها ضرركم ومساعدة الأعداء عليكم قال