{لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا} فلا تدفع عنهم شيئا من العذاب، ولا تحصل لهم قسطا من الثواب، {أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ} الملازمون لها، الذين لا يخرجون عنها، و {هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} ومن عاش على شيء مات عليه.
فكما أن المنافقين في الدنيا يموهون على المؤمنين، ويحلفون لهم أنهم مؤمنون، فإذا كان يوم القيامة وبعثهم الله جميعا، حلفوا لله كما حلفوا للمؤمنين، ويحسبون في حلفهم هذا أنهم على شيء، لأن كفرهم ونفاقهم وعقائدهم الباطلة، لم تزل ترسخ في أذهانهم شيئا فشيئا، حتى غرتهم وظنوا أنهم على شيء يعتد به، ويعلق عليه الثواب، وهم كاذبون في ذلك، ومن المعلوم أن الكذب لا يروج على عالم الغيب والشهادة. وهذا الذي جرى عليهم من استحواذ الشيطان الذي استولى عليهم، وزين لهم أعمالهم، وأنساهم ذكر الله، وهو العدو المبين، الذي لا يريد بهم إلا الشر، {إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير} {أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ} الذين خسروا دينهم ودنياهم وأنفسهم وأهليهم." (?)
هذه الحملة القوية على المنافقين الذين يتولون قوما غضب الله عليهم - وهم اليهود - تدل على أنهم كانوا يمعنون في الكيد للمسلمين، ويتآمرون مع ألد أعدائهم عليهم كما تدل على أن سلطة الإسلام كانت قد عظمت، بحيث يخافها المنافقون، فيضطرون - عندما يواجههم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنون بما يكشفه الله من تدابيراتهم ومؤمراتهم - إلى الحلف بالكذب لإنكار ما ينسب إليهم من مؤامرات وأقوال وهم يعلمون أنهم كاذبون في هذه الأيمان. إنما هم يتقون بأيمانهم ما يتوقعونه من مؤاخذتهم بما ينكشف من دسائسهم: «اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً» أي وقاية. وبذلك يستمرون في دسائسهم للصد عن سبيل الله! والله يتوعدهم مرات في خلال هذه الآيات: «أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذاباً شَدِيداً. إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ» .. «فَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ» .. «لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً. أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ» ..