وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: {كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ} قَالَ: الْكُفَّارُ الْأَحْيَاءُ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْأَمْوَاتِ. وَقَالَ قَتَادَةُ: كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ أَنْ يَرْجِعَ إِلَيْهِمْ أَصْحَابُ الْقُبُورِ الَّذِينَ مَاتُوا. وَكَذَا قَالَ الضَّحَّاكُ. رَوَاهُنَّ ابْنُ جَرِيرٍ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: مَعْنَاهُ: كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ الَّذِينَ هُمْ فِي الْقُبُورِ مَنْ كُلِّ خَيْرٍ.
قَالَ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: {كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ} قَالَ: كَمَا يَئِسَ هَذَا الْكَافِرُ إِذَا مَاتَ وَعَايَنَ ثَوَابَهُ وَاطَّلَعَ عَلَيْهِ. وَهَذَا قَوْلُ مُجَاهِدٍ، وَعِكْرِمَةَ، وَمُقَاتِلٍ، وَابْنِ زَيْدٍ، وَالْكَلْبِيِّ، وَمَنْصُورٍ. وَهُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ جَرِيرٍ." (?)
وقال السعدي:" أي: يا أيها المؤمنون، إن كنتم مؤمنين بربكم، ومتبعين لرضاه ومجانبين لسخطه، {لا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ} وإنما غضب عليهم لكفرهم، وهذا شامل لجميع أصناف الكفار. {قَدْ يَئِسُوا مِنَ الآخِرَةِ} أي: قد حرموا من خير الآخرة، فليس لهم منها نصيب، فاحذروا أن تولوهم فتوافقوهم على شرهم وكفرهم فتحرموا خير الآخرة كما حرموا.
[وقوله] {كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ} حين أفضوا إلى الدار الآخرة، ووقفوا على حقيقة الأمر وعلموا علم اليقين أنهم لا نصيب لهم منها. ويحتمل أن المعنى: قد يئسوا من الآخرة أي: قد أنكروها وكفروا بها، فلا يستغرب حينئذ منهم الإقدام على مساخط الله وموجبات عذابه وإياسهم من الآخرة، كما يئس الكفار المنكرون للبعث في الدنيا من رجوع أصحاب القبور إلى الله تعالى." (?)
يجيء هتافا للذين آمنوا باسم الإيمان، وبالصفة التي تميزهم عن سائر الأقوام، إذ تصلهم بالله وتفصلهم عن أعداء الله. وقد وردت بعض الروايات بأن المقصود بالقوم الذين غضب الله عليهم هم اليهود، استنادا إلى دمغهم بهذه الصفة في مواضع أخرى من القرآن. ولكن هذا لا يمنع من عموم النص ليشمل اليهود والمشركين الذين ورد ذكرهم في السورة، وكل أعداء الله. وكلهم غضب عليه الله. وكلهم يائس من الآخرة، لا يعلق بها رجاء، ولا يحسب