فإذا علمتم -أيها المؤمنون- حال الكفار وشدة معاداتهم لكم ولدينكم، فمن لم يعادهم بعد هذا دل على أن الإسلام عنده رخيص، وأنه لا يبالي بمن قدح فيه أو قدح بالكفر والضلال، وأنه ليس عنده من المروءة والإنسانية شيء. فكيف تدعي لنفسك دينا قيما، وأنه الدين الحق وما سواه باطل، وترضى بموالاة من اتخذه هزوا ولعبا، وسخر به وبأهله، من أهل الجهل والحمق؟! وهذا فيه من التهييج على عداوتهم ما هو معلوم لكل من له أدنى مفهوم." (?)

وهي ملابسة مثيرة لكل من له حمية المؤمن الذي لا يرى لنفسه كرامة إذا أهين دينه، وأهينت عبادته، وأهينت صلاته، واتخذ موقفه بين يدي ربه مادة للهزء واللعب .. فكيف يقوم ولاء بين الذين آمنوا وبين أحد من هؤلاء الذين يرتكبون هذه الفعلة ويرتكبونها لنقص في عقولهم. فما يستهزئ بدين الله وعبادة المؤمنين به، إنسان سويّ العقل فالعقل - حين يصح ويستقيم - يرى في كل شيء من حوله موحيات الإيمان بالله. وحين يختل وينحرف لا يرى هذه الموحيات، لأنه حينئذ تفسد العلاقات بينه وبين هذا الوجود كله. فالوجود كله يوحي بأن له إلها يستحق العبادة والتعظيم. والعقل حين يصح ويستقيم يستشعر جمال العبادة لإله الكون وجلالها كذلك، فلا يتخذها هزوا ولعبا وهو صحيح مستقيم.

ولقد كان هذا الاستهزاء واللعب يقع من الكفار، كما كان يقع من اليهود خاصة من أهل الكتاب، في الفترة التي كان هذا القرآن يتنزل فيها على قلب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للجماعة المسلمة في ذلك الحين. ولم نعرف من السيرة أن هذا كان يقع من النصارى .. ولكن الله - سبحانه - كان يضع للجماعة المسلمة قاعدة تصورها ومنهجها وحياتها الدائمة. وكان الله - سبحانه - يعلم ما سيكون على مدار الزمان مع أجيال المسلمين. وها نحن أولاء رأينا ونرى أن أعداء هذا الدين وأعداء الجماعة المسلمة على مدار التاريخ أمس واليوم من الذين قالوا: إنهم نصارى كانوا أكثر عددا من اليهود ومن الكفار مجتمعين! فهؤلاء - كهؤلاء - قد ناصبوا الإسلام العداء، وترصدوه القرون تلو

طور بواسطة نورين ميديا © 2015