بِاللَّحَاقِ بِدَهْلَكَ الْيَهُودِيِّ وَالْآخَرُ بِنَصْرَانِيٍّ بِالشَّأْمِ، وَلَمْ يَصِحَّ مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ خَبَرٌ يَثْبُتُ بِمِثْلِهِ حُجَّةٌ فَيُسَلَّمُ لِصِحَّتِهِ الْقَوْلُ بِأَنَّهُ كَمَا قِيلَ. فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَالصَّوَابُ أَنْ يَحْكُمَ لِظَاهِرِ التَّنْزِيلِ بِالْعُمُومِ عَلَى مَا عَمَّ، وَيَجُوزُ مَا قَالَهُ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِيهِ مِنَ الْقَوْلِ الَّذِي لَا عِلْمَ عِنْدَنَا بِخِلَافِهِ؛ غَيْرَ أَنَّهُ لَا شَكَّ أَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي مُنَافِقٍ كَانَ يُوَالِي يَهُودَ أَوْ نَصَارَى، خَوْفًا عَلَى نَفْسِهِ مِنْ دَوَائِرِ الدَّهْرِ، لِأَنَّ الْآيَةَ الَّتِي بَعْدَ هَذِهِ تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ: {فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ} [المائدة:52] الْآيَةُ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: {بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [المائدة:51] فَإِنَّهُ عَنَى بِذَلِكَ أَنَّ بَعْضَ الْيَهُودِ أَنْصَارُ بَعْضِهِمْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ، وَيَدٌ وَاحِدَةٌ عَلَى جَمِيعِهِمْ، وَأَنَّ النَّصَارَى كَذَلِكَ بَعْضُهُمْ أَنْصَارُ بَعْضٍ عَلَى مَنْ خَالَفَ دِينَهُمْ وَمِلَّتَهُمْ، مُعَرِّفًا بِذَلِكَ عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ مَنْ كَانَ لَهُمْ أَوْ لِبَعْضِهِمْ وَلِيًّا فَإِنَّمَا هُوَ وَلِيُّهُمْ عَلَى مَنْ خَالَفَ مِلَّتَهُمْ وَدِينَهُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، كَمَا الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى لَهُمْ حَرْبٌ، فَقَالَ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِلْمُؤْمِنِينَ: فَكُونُوا أَنْتُمْ أَيْضًا بَعْضُكُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ، وَلِلْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ حَرْبًا كَمَا هُمْ لَكُمْ حَرْبٌ، وَبَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ أَوْلِيَاءُ؛ لِأَنَّ مَنْ وَالَاهُمْ فَقَدْ أَظْهَرَ لِأَهْلِ الْإِيمَانِ الْحَرْبَ وَمِنْهُمُ الْبَرَاءَةَ، وَأَبَانُ قَطَعَ وَلَايَتَهُمْ" (?)
وقال أيضاً:"يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة:51] وَمَنْ يَتَوَلَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى دُونَ الْمُؤْمِنِينَ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ، يَقُولُ: فَإِنَّ مَنْ تَوَلَّاهُمْ وَنَصَرَهُمْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ، فَهُوَ مِنْ أَهْلِ دِينِهِمْ وَمِلَّتِهِمْ، فَإِنَّهُ لَا يَتَوَلَّى مُتَوَلٍّ أَحَدًا إِلَّا وَهُوَ بِهِ وَبِدِينِهِ وَمَا هُوَ عَلَيْهِ رَاضٍ، وَإِذَا رَضِيَهُ وَرَضِيَ دِينَهُ فَقَدْ عَادَى مَا خَالَفَهُ وَسَخِطَهُ، وَصَارَ حُكْمُهُ حُكْمَهُ، وَلِذَلِكَ حَكَمْ مَنْ حَكَمَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ لِنَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ فِي ذَبَائِحِهِمْ وَنِكَاحِ نِسَائِهِمْ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أُمُورِهِمْ بِأَحْكَامِ نَصَارَى بَنِي إِسْرَائِيلَ، لِمُوَالَاتِهِمْ إِيَّاهُمْ وَرِضَاهُمْ بِمِلَّتِهِمْ وَنُصرَتِهِمْ لَهُمْ عَلَيْهَا، وَإِنْ كَانَتْ أَنْسَابُهُمْ لِأَنْسَابِهِمْ مُخَالِفَةً وَأَصْلُ دِينِهِمْ لِأَصْلِ دِينِهِمْ مُفَارِقًا. وَفِي ذَلِكَ الدَّلَالَةُ الْوَاضِحَةُ عَلَى صِحَّةِ مَا نَقُولُ، مِنْ أَنَّ كُلَّ مَنْ كَانَ يَدِينُ بِدِينٍ فَلَهُ حُكْمُ أَهْلِ ذَلِكَ الدِّينِ كَانَتْ دَيْنُونَتُهُ بِهِ قَبْلَ مَجِيءِ الْإِسْلَامِ أَوْ بَعْدَهُ، إِلَّا أَنْ