{وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} لأنهم تجرؤوا على معاصي الله، واتخذوا أعداء الله أولياء، وأصل الولاية: المحبة والنصرة، وذلك أن اتخاذهم أولياء، موجب لتقديم طاعتهم على طاعة الله، ومحبتهم على محبة الله ورسوله.

ولهذا ذكر السبب الموجب لذلك، وهو أن محبة الله ورسوله، يتعين تقديمهما على محبة كل شيء، وجعل جميع الأشياء تابعة لهما فقال: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ} ومثلهم الأمهات {وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ} في النسب والعشرة {وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ} أي: قراباتكم عموما {وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا} أي: اكتسبتموها وتعبتم في تحصيلها، خصها بالذكر، لأنها أرغب عند أهلها، وصاحبها أشد حرصا عليها ممن تأتيه الأموال من غير تعب ولا كَدّ.

{وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا} أي: رخصها ونقصها، وهذا شامل لجميع أنواع التجارات والمكاسب من عروض التجارات، من الأثمان، والأواني، والأسلحة، والأمتعة، والحبوب، والحروث، والأنعام، وغير ذلك.

{وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا} من حسنها وزخرفتها وموافقتها لأهوائكم، فإن كانت هذه الأشياء {أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ} فأنتم فسقة ظلمة. {فَتَرَبَّصُوا} أي: انتظروا ما يحل بكم من العقاب {حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ} الذي لا مرد له. {وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} أي: الخارجين عن طاعة الله، المقدمين على محبة الله شيئا من المذكورات. وهذه الآية الكريمة أعظم دليل على وجوب محبة الله ورسوله، وعلى تقديمها على محبة كل شيء، وعلى الوعيد الشديد والمقت الأكيد، على من كان شيء من هذه المذكورات أحب إليه من الله ورسوله، وجهاد في سبيله. وعلامة ذلك، أنه إذا عرض عليه أمران، أحدهما يحبه الله ورسوله، وليس لنفسه فيه هوى، والآخر تحبه نفسه وتشتهيه، ولكنه يُفَوِّتُ عليه محبوبًا لله ورسوله، أو ينقصه، فإنه إن قدم ما تهواه نفسه، على ما يحبه الله، دل ذلك على أنه ظالم، تارك لما يجب عليه. (?)

إن هذه العقيدة لا تحتمل لها في القلب شريكا فإما تجرد لها، وإما انسلاخ منها. وليس المطلوب أن ينقطع المسلم عن الأهل والعشيرة والزوج والولد والمال والعمل والمتاع

طور بواسطة نورين ميديا © 2015