إنه مشهد مؤثر: مشهد التبرؤ والتعادي والتخاصم بين التابعين والمتبوعين. بين المحبين والمحبوبين! وهنا يجيء التعقيب الممض المؤلم: «كَذلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمالَهُمْ حَسَراتٍ عَلَيْهِمْ، وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنَ النَّارِ» .. (?)
-----------
قال تعالى: {قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرَى قُلْ لَا أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (19) الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (20)} [الأنعام]
يَأْمُرُ اللهُ تَعَالَى رَسُولَهُ - صلى الله عليه وسلم - بِأنْ يَسْأَلَ كُفَّارَ قٌرَيشٍ عَنْ أَيِّ شَهَادَةٍ هِيَ أَكْبَرُ وَأَعْظَمُ، وَأَجْدَرُ بِأنْ تَكُونَ أَصَحَّ الشَّهَادَاتِ وَأَصْدَقَها؟ ثُمَّ يَأْمُرُهُ بِأنْ يُجِيبَ عَلَى هَذا السُّؤَالِ: بِأنَّ أَكْبَرَ الأَشْيَاءِ شَهَادَةً هُوَ مِنْ لاَ يَجُوزُ أنْ يَقَعَ فِي شَهَادَتِهِ كَذِبٌ وَلاَ خَطَأٌ وَلاَ زُورٌ، وَهُوَ اللهُ تَعَالَى، وَهُوَ الشَّهِيدُ بَيْنِي وَبَيْنَكُم، وَهُوَ الذِي أَوْحَى إليَّ هَذا القُرْآنَ لأُنْذِرَكُمْ بِهِ عِقَابَهُ عَلَى تَكْذِيبِي فِيمَا جِئْتُكُمْ بِهِ، مُؤَيَّداً بِشَهَادَةِ اللهِ سُبْحَانَهُ، وَأُنْذِرَ كُلَّ مَنْ بَلَغَهُ هَذَا القُرْآنُ، لأنَّ كُلَّ مَنْ بَلَغَهُ فَهُوَ مَدْعُوٌ إلى اتِّبَاعِهِ حَتَّى تَقُومَ القِيَامَةُ. وَشَهَادَتُهُ تَعَالَى هِيَ شَهَادَةُ آيَاتِهِ فِي القُرْآنِ، وَآيَاتِهِ فِي الأنْفُسِ وَالأَكْوَانِ، وَآيَاتِهِ فِي العَقْلِ وَالوِجْدَانِ.
ثُمَّ أَمَرَ تَعَالَى رَسُولَهُ بِأَنْ يَقُولَ لِهَؤُلاءِ المُشْرِكِينَ: إنْ كُنْتُمْ تَشْهَدُونَ أنَّ مَعَ اللهِ آلِهَةً أُخْرَى، فَأَنَا لاَ أَشْهَدُ بِذَلِكَ، وَإِنَّمَا هُوَ إلهٌ وَاحِدٌ، خَلَقَ كُلَّ شَيءٍ، وَخَضَعَ لَهُ كُلَّ شَيءٍ فِي الوُجُودِ، وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ بِهِ مِنَ الأَصْنَامِ وَالأَنْدَادِ وَالأَوْثَانِ.
إنَّ أَهْلَ الكِتَابِ يَعرِفُونَ أنَّ مُحَمَّداً خَاتَمُ النَّبِيِّينَ وَالرُّسُلِ، كَمَا يَعْرِفُونَ أَبنَاءَهُمْ، بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الأَخْبَارِ وَالأَنْبَاءِ، عَنِ الأَنْبِيَاءِ المُتَقَدِّمِينَ، فَقَدْ بَشَّرَ الرُّسُلُ كُلُّهُمْ بِبِعْثَةِ مُحَمَّدٍ وَنَعْتِهِ، وَصِفَتِهِ وَمَكَانِ هِجْرَتِهِ، وَصِفَةِ أُمَّتِهِ ... وَالذِينَ أَنْكَرُوا نُبوَّةَ مُحَمَّدٍ وَرِسَالَتَهُ مِنْ عُلَمَاءِ اليَهُودِ، عِلَّتُهُمْ فِي ذَلِكَ كَعِلَّةِ مَنْ أَنْكَرُوهَا مِنْ زُعَمَاءِ المُشْرِكِينَ، وَهِيَ الخَوْفَ مِنْ