ووظيفة الإسلام الأولى هي أن ينشئ حياة إنسانية توافق هذا التصور، وتمثله في صورة واقعية، وأن يقيم في الأرض نظاماً يتبع المنهج الرباني الذي اختاره الله، وهو يخرج هذه الأمة المسلمة لتمثله وتقوم عليه، وهو - سبحانه - يقول: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} ... [آل عمران:110]

ويقول في صفة هذه الأمة: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ} ... [الحج:41]

وليست وظيفة الإسلام إذن أن يصطلح مع التصورات الجاهلية السائدة في الأرض، ولا الأوضاع الجاهلية القائمة في كل مكان .. لم تكن هذه وظيفته يوم جاء، ولن تكون هذه وظيفته اليوم ولا في المستقبل .. فالجاهلية هي الجاهلية، الجاهلية هي الانحراف عن العبودية لله وحده وعن المنهج الإلهي في الحياة، واستنباط النظم والشرائع والقوانين والعادات والتقاليد والقيم والموازين من مصدر آخر غير المصدر الإلهي .. الإسلام وهو الإسلام، ووظيفته هي نقل الناس من الجاهلية إلى الإسلام!

الجاهلية هي عبودية الناس للناس: بتشريع بعض الناس للناس ما لم يأذن به الله، كائنة ما كانت الصورة التي يتم بها هذا التشريع .. !

والإسلام هو عبودية الناس لله وحده بتلقيهم منه وحده تصوراتهم وعقائدهم وشرائعهم وقوانينهم وقيمهم وموازينهم والتحرر من عبودية العبيد!

هذه الحقيقة المنبثقة من طبيعة الإسلام، وطبيعة دوره في الأرض، هي التي يجب أن نقدم بها الإسلام للناس: الذين يؤمنون به والذين لا يؤمنون به على السواء!

إن الإسلام لا يقبل أنصاف الحلول مع الجاهلية. لا من ناحية التصور، ولا من ناحية الأوضاع المنبثقة من هذا التصور .. فإما إسلام وإما جاهلية. وليس هنالك وضع آخر نصفه إسلام ونصفه جاهلية، يقبله الإسلام ويرضاه .. فنظرة الإسلام واضحة في أن الحق واحد لا يتعدد، وأن ما عدا هذا الحق فهو الضلال. وهما غير قابلين للتلبس والامتزاج. وأنه إما حكم الله وإما حكم الجاهلية، وإما شريعة الله، وإما الهوى .. والآيات القرآنية

طور بواسطة نورين ميديا © 2015