أنهم يوجهون الحاكم في التصرفات ذات الصفة العامة، أو الدولية، كإعلان الحرب، أو الهدنة، أو إبرام معاهدة، أو تجميد علاقات، أو وضع ميزانية أو تخصيص نفقات لجهة معينة أو غير ذلك من التصرفات العامة، التي لا يقطع فيها برأي الواحد. قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} (النساء:58).

وعَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -،قَالَ: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ» قُلْنَا: لِمَنْ؟ قَالَ: «لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ» (?)

لقد قرّر الإسلام"الحرية السياسية"في جميع مبادئه وكل نظمه، وإذا كان معنى الحرية بلغة العصر الذي نحيا فيه أن يعطي كل فرد عاقل رشيد الحق في أن يشترك في إدارة الدولة، وشئون الأمة، ويلاحظ أعمال السلطة التنفيذية عن طريق الاستفتاء العام، إذا كان هذا هو مفهوم"الحرية السياسية"في العصر الحديث، فإن الإسلام قد عرف هذا المفهوم تطبيقًا وعملاً منذ وجد.

وتأكيدًا لهذا المبدأ، أمر المولى تبارك وتعالى، رسوله صلوات الله وسلامه عليه، وهو الذي لاينطق عن الهوى، بأن يشاور المسلمين في أمورهم، وألاّ يبرم أمرًا دونهم، يقول عز وجل: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} [آل عمران:159]، {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} [الشورى:38]

وكان أساس الشورى عند المصطفى صلوات الله وسلامه عليه أن يأخذ بما أجمع عليه الصحابة - رضوان الله تعالى عليهم أجمعين -،أو استقرّت عليه أغلبيتهم، ومثال ذلك ما حدث في غزوة"بدر"،حيث نزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجيشه مكانًا غير ملائم للمعركة حربيًا، فقال الحباب بن المنذر بن الجموح، الذي كان خبيرًا بهذه الأمكنة التي نزل فيها المسلمون، ولم يرق في عينه الموقع الذي استقروا فيه، ولم يطمئن إليه:"فَقَالَ لَهُ الْحُبَابُ بْنُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015