الرشد الذي لا يرفضه إلا سفيه، يترك الرشد إلى الغي، ويدع الهدى إلى الضلال، ويؤثر التخبط والقلق والهبوط والضآلة على الطمأنينة والسلام والرفعة والاستعلاء! (?)
ويقول الشيخ الغزالي:"إن الإكراه لا يكون في العقائد، إنه على العكس ينفر منها ويسىء بها الظنون، وطبائع الأشياء ترسم للعقائد طريقا يبدأ حتماً من الحرية العقلية المطلقة. تتزاحم الأفكار والمبادئ أمام الإنسان فيؤثر منها ما يراه أولى بالاعتناق وأجدر بالاتباع، فإذا اختار فكرة ما خلطها بشعوره، ورأى على توالي الأيام أنها أصبحت شطر نفسه، ثم تمتزج بعقله وعاطفته فيصدر عنها في تصرفاته ويحب ويكره على أساسها، وتزداد الفكرة تغلغلاً في وعي المرء، فبعد أن كان يدفع عنها كما يدفع عن نفسه، يفتديها بنفسه وأولاده وما يملك". (?)
كل هذه الآيات والآثار وغيرها، تنفي الإكراه في الدين، وتثبت حق الإنسان في اختيار دينه الذي يؤمن به.
وعلى ضوء ما مضى يتبين المراد بقول الله تعالى:"لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي" [البقرة: من الآية:256] أي لا تكرهوا أحداً على اعتناق الإسلام، فإن علامات صحته ورشده واضحة جلية، لمن كان صادقاً مخلصاً في البحث عن الحقيقة، وأما من دخله مكرهاً فإنه لا يستفيد من اعتناقه، ولا يتخلص به من الغي. وحينئذ، فعليه أن يذعن لنظام الإسلام، إن كان له دولة وسلطان. وليس المقصود ما قد يفهمه بعض الناس من أن الآية تقرر الحرية المطلقة في الدين والتنقل بين الأديان، دون أن يترتب على ذلك أدنى تبعة، فإن هذا لم يقل به أحد من علماء الإسلام.
وبناء على ما تقدم، فإن قتل المرتد عقوبة على جريمة كبيرة، أشد في نظر الإسلام من جريمة (الخيانة العظمى) التي تعاقب عليها الدول بالقتل، جراء إفشاء أسرار الدولة، أو التعاون مع عدو خارجي، أو السعي لقلب نظام الحكم، أو ما دون ذلك مما تسنه بعض النظم