السلطة الرابعة: السلطة السياسية:

ما نقوله في السلطة العلمية نقوله في المرجعية السياسية؛ فإن كثيراً من الدول اليوم أصبحت ترى أن وجود ما يسمى بالمعارضة، سواء تشكل في أحزاب أو مجموعات أو شرائح أو غيرها صار جزءاً مكملاً في المشهد السياسي، فإذا لم توجد؛ فإنهم يسعون في إيجادها، ولذلك فإن النقد الهادف البعيد عن التجريح أو السباب أو التهويل أو المصادرة لا يدمر المجتمعات والدول والحكومات، بل يزيدها شفافية، ويعينها على تلافي النقائص والعيوب، ويكشف عن الأدواء والأمراض التي تكبر وتنمو في جو التعميم والتعتيم والتكتيم والتكميم.

إن كثيراً من الأمراض إنما تنشأ في الظلام، فإذا عرضت لأشعة الشمس فإنها تقتل الجراثيم، وبذلك يعيش الناس عيشة طبيعية سوية سليمة، ولديهم قبول للمناقشة والأخذ والرد والحوار، وواقعية واعتدال في معارضتهم، كما لديهم واقعية واعتدل في تأييدهم، وقبولهم.

إن الشعوب الحرة هي الشعوب الجديرة بالبقاء والحياة القادرة على تجاوز الصعاب، ومن الخطأ الظن بأن الحرية هي مجرد قرار، لا! إنها برنامج للحياة والبناء؛ ولكن هذا القرار، يصلح أن يكون شرارة تقدح زناد الحرية، وتطلق صفّارة البدء، ومن الطريف أن الجاحظ في كتاب الحيوان، ذكر أن البلابل إذا سجنت في أقفاص فإنها لا تتناسل ولا تتوالد، وقد التقط هذا المعنى الجميل شاعر الشام عمر أبو ريشة، وكتب قصيدة عنوانها بلبل:

ألفيته ينثر ألحانَه **** كأنما ينثرُ مِن كبده

وإلفُه المشفقُ ظِلٌ له **** باقٍ كما كان على عهده

مدله اللفتات مستوحشٌ **** طاوٍ جناحيه على وجده

كم أطبقت منقاره غصّة **** فمدهُ ينقر في قيده!!

أسقمه العيش على وفره **** لما رآه ليس من كده

وأين مخضل الجنى حوله؟ **** من زنبق الروض ومن ورده

طور بواسطة نورين ميديا © 2015