وتعالى: (مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (النحل:106).
وهذه قضية لا توجد في تاريخ الأمم الأخرى؛ ففي أسبانيا لما سقطت في يد النصارى أقاموا محاكم التفتيش للمسلمين، ووجدت ظاهرة (العرب المورسكيين) الذين كانوا يضطرون إلى تغيير دينهم من باب الخوف، وتغيير أسمائهم، ويستخْفون ويتعرضون لألوان من المصادرة والقتل والسجن، بينما في التاريخ الإسلامي كله لم توجد مثل هذه الظاهرة، وهذه قضية مهمة جداً تحسب لعظمة هذا الدين وعدالته ومناسبته للشعوب كلها.
فالمقصود أن دين الإسلام هو دين لكل شرائح الأمة: للعرب، والأكراد، والبربر، والعجم، والفرس، دين لجميع الشعوب التي ذابت وتماهت وأصبحت جزءاً من الأمة الجديدة (الأمة المسلمة) فالدين هو المرجعية الأصلية والهوية الأساسية لهذه الأمة.
إن الأصول في المرجعية الإسلامية الشرعية ثابتة، والفروع فيها اجتهادية متغيرة، إن النص ثابت وهو القران الكريم، وصحيح السنة الثابتة عن الرسول - صلى الله عليه وسلم -،لكن التفسير محتملٌ، ليس له قداسة النص إلا أن يكون تفسيراً قطعياً لا يحتمل الوجوه والتأويلات.
إن الشريعة ثابتة، لكن الفقه اجتهادي، ولذا كان للشافعي قولان، وغيّر تلاميذ أبي حنيفة ثلثي مذهب إمامهم، وتعددت الروايات عن الإمام أحمد في المسألة الواحدة، ولم يكونوا يخرجون بذلك عن كلمة عمر الشهيرة، فعَنِ الْحَكَمِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: أَتَيْنَا عُمَرَ، فِي الْمُشَرَّكَةِ فَلَمْ يُشَرِّكْ، ثُمَّ أَتَيْنَاهُ الْعَامَ الْمُقْبِلَ فَشَرَّكَ، فَقُلْنَا لَهُ، فَقَالَ: «تِلْكَ عَلَى مَا قَضَيْنَاهُ، وَهَذِهِ عَلَى مَا قَضَيْنَا» (?)
وعَنِ الْحَكَمِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: شَهِدْتُ عُمَرَ أَشْرَكَ الإِخْوَةَ مِنَ الأَبِ وَالأُمِّ مَعَ الإِخْوَةِ مِنَ الأُمِّ فِي الثُّلُثِ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: قَدْ قَضَيْت فِي هَذَه عَامَ الأَوَّلِ بِغَيْرِ هَذَا، قَالَ: وَكَيْفَ قَضَيْت