فاستمسك بهذا الأصل الكبير فإنّه نافع في مسائل كثيرة، ويمكنك ـ إذا فهمته ـ أن تطبق عليه كثيراً من الأفراد والجزئيات الواقعة والتي لا تزال تقع، ولا تقصر فهمك عنه فيفوتك خيرٌ كثيرٌ، وربما ظننت كثيراً من الأشياء بدعاً محرماً إذا كانت حادثة ولم تجد لها تصريحاً في كلام الشارع، فتخالف بذلك الشرع والعقل وما فطر عليه الناس ... (?).
والسبب في هذا أن الوسائل من قبيل العادات والأصل فيها الإباحة، قال الشاطبي ـ يرحمه الله -: " وَالتَّبْلِيغُ كَمَا لَا يَتَقَيَّدُ بِكَيْفِيَّةٍ مَعْلُومَةٍ; لِأَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الْمَعْقُولِ الْمَعْنَى، فَيَصِحُّ بِأَيِّ شَيْءٍ أَمْكَنَ مِنَ الْحِفْظِ وَالتَّلْقِينِ وَالْكِتَابَةِ وَغَيْرِهَا، وَكَذَلِكَ لَا يَتَقَيَّدُ حِفْظُهُ عَنِ التَّحْرِيفِ وَالزَّيْغِ بِكَيْفِيَّةٍ دُونَ أُخْرَى، إِذَا لَمْ يَعُدْ عَلَى الْأَصْلِ [بِـ] الْإِبْطَالِ; كَمَسْأَلَةِ الْمُصْحَفِ، وَلِذَلِكَ أَجْمَعَ عَلَيْهِ السَّلَفُ الصَّالِحُ." (?).
وسائل التعبير عن الرأي:
وإذا تبين أن هذه الوسائل اجتهاديّة - ليست توقيفيَّة -؛ فللمسلم أن يسلك ما شاء من وسائل التعبير عن الرأي.
1 - ألا تخالف الشرع في نفسها، فإذا كانت الوسيلة مخالفة للأدلة الشرعية أو القواعد الكليّة فإنها تكون ممنوعة؛ كمن يستعمل المحرمات بقصد أن يتوب الناس مثلاً (?). وهذا الضابط هو الذي يميّز أهل السُّنة عن غيرهم، وهذا هو الذي يكفل البقاء على الجادة مؤذناً بطاعة الله ورسوله. وليس نبل المقصد وحسن الهدف مسوّغاً لمعصية الله ورسوله ومخالفة قواعد الشريعة، فإن ما خالفها ضرر وفساد ولا يترتب عليه مصلحة: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا} [الأحزاب: 36].
أي لَيْسَ لِمُؤِمِن وَلا لِمُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ قَضَاءً، أَنْ يَتَخَيَّروا مِنْ أَمْرِهِمْ غيرَ مَا قَضَاهُ اللهُ وَرَسُولُهُ لَهُمْ، وَلاَ أَنْ يُخَالِفُوا أَمْرَ اللهِ وَأَمرَ رَسُولِهِ وَقَضَاءَهُما. وَمَن يَعْصِ اللهَ