المسائل في شريعة الإسلام منها ما هو قطعي محكم؛ فهذا ثابت الحكم لا يتغيّر بتغير الزمان والمكان، ومنها مسائل الاجتهاد وموارد الخلاف التي لم يحسمها نص قاطع، ولم يثبتها دليل ظاهر؛ فليس فيها نص شرعي ولا إجماع قطعي، فهذه يحكمها اجتهاد المجتهدين المؤهلين، فيختار المجتهد منها أظهرها عنده.
فأما القسم الأول: فإن الناس ملزمون بالسير على وفقها التزاماً للشرع، واتباعاً له، ولا يسوغ مخالفته ـ كما سبق ـ.
وأما الثاني: فهي منوطة باجتهاد المتكلم ـ متى كان أهلاً ـ فيتكلم فيها بالبينات والحجج العلمية، لكنها ليست مورداً للإنكار ولا محلاً للمفاصلة.
وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى - عمن قلد بعض العلماء في مسائل الاجتهاد؛ هل ينكر عليه أو يهجر؟ فأجاب: «مَسَائِلُ الِاجْتِهَادِ مَنْ عَمِلَ فِيهَا بِقَوْلِ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ لَمْ يُنْكَرْ عَلَيْهِ وَلَمْ يُهْجَرْ وَمَنْ عَمِلَ بِأَحَدِ الْقَوْلَيْنِ لَمْ يُنْكَرْ عَلَيْهِ وَإِذَا كَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ: فَإِنْ كَانَ الْإِنْسَانُ يَظْهَرُ لَهُ رُجْحَانُ أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ عَمِلَ بِهِ وَإِلَّا قَلَّدَ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ الَّذِينَ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِمْ فِي بَيَانِ أَرْجَحِ الْقَوْلَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.» (?).
ومن هنا فإن كل رأي لم يستند بقاطع في الشريعة؛ فإنه لا يسوغ لقائله أن يستبد به ويحتكر الصواب، بل ما دام قولاً لغير معصوم فالخطأ عليه وارد والخلاف سائغ والإنكار ممنوع.
* ثانياً: وسائل التعبير عن الرأي:
لقد كلَّف الله - تعالى - هذه الأمة بإبلاغ الدين ونشر الرسالة قال تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [آل عمران: 104]، وجعل ذلك سبب خيريتها: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ} [آل عمران: 110].