الله - سبحانه - يعلم أن لا بد من مزاولته في أخطر الشؤون، ومهما تكن النتائج، ومهما تكن الخسائر، ومهما يكن انقسام الصف، ومهما تكن التضحيات المريرة، ومهما تكن الأخطار المحيطة لأن هذه كلها جزئيات لا تقوم أمام إنشاء الأمة الراشدة، المدربة بالفعل على الحياة المدركة لتبعات الرأي والعمل، الواعية لنتائج الرأي والعمل .. ومن هنا جاء هذا الأمر الإلهي، في هذا الوقت بالذات: «فَاعْفُ عَنْهُمْ، وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ، وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ» ..
ليقرر المبدأ في مواجهة أخطر الأخطار التي صاحبت استعماله وليثبت هذا القرار في حياة الأمة المسلمة أيا كانت الأخطار التي تقع في أثناء التطبيق وليسقط الحجة الواهية التي تثار لإبطال هذا المبدأ في حياة الأمة المسلمة، كلما نشأ عن استعماله بعض العواقب التي تبدو سيئة، ولو كان هو انقسام الصف، كما وقع في «أحد» والعدو على الأبواب .. لأن وجود الأمة الراشدة مرهون بهذا المبدأ. ووجود الأمة الراشدة أكبر من كل خسارة أخرى في الطريق! (?)
وما تعيشه الشعوب العربية على وجه الخصوص هي العبودية المعنوية للملوك والرؤساء والعلماء، هذه العبودية التي تغتال كرامة الإنسان وحريته وإنسانيته، لتصبح شعوب العالم العربي أكثر الشعوب خضوعاً للاستبداد الداخلي، وأكثر قابلية للخضوع للاستعمار الخارجي. وهي اليوم في عبودية أشد من عبودية بني إسرائيل لفرعون، فقد ضربت عليهم الذلة في كل بلد وصار ثلاثمائة مليون عربي يباعون في أسواق النخاسة الدولية دون أن يحركوا ساكناً أو يدفعوا باطلاً، أو ينصروا حقاً أو ينكئوا عدواً فهم أحوج إلى التحرير من العبودية لغير الله -الذي هو غاية كلمة التوحيد- منهم إلى الشريعة التي تسقط الكثير من أحكامها عن الإنسان إذا فقد حريته الصورية، فكيف إذا فقد حريته المعنوية؟!
ـــــــــ
من فوائد العبودية لله:
من فوائد العبودية لله: أنها تحرر الناس من هذه العبوديات لغير الله، فإذا صرت عبداً لله تحررت من عبودية الشهوة، وإذا صرت عبداً لله تحررت من عبودية الدرهم والدينار، فصار