كما جعل الله -سبحانه وتعالى- حق اختيار السلطة للأمة يحرم مصادرته أو اغتصابه كما في قوله تعالى: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} [الشورى:38]
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ لِي عُمَرُ عِنْدَ مَوْتِهِ:"اعْقِلْ ثَلَاثًا: الْإِمَارَةُ شُورَى، وَفِي فِدَاءِ الْعَرَبِيِّ عَبْدٌ، وَفِي ابْنِ الْأَمَةِ بَعِيرَانِ"،قَالَ: وَكَتَمَ ابْنُ عَبَّاسٍ الثَّالِثَةَ" (?)
وقال عليّ:"أيها الناس إنما الأمير من أمّرتموه والخليفة من اخترتموه" (?)
وقد أجمع الصحابة على هذا الأصل الذي يؤكد الحرية السياسية في مشاركة الأمة في اختيار السلطة كما قرر القرآن حق الأمة في مشاركة السلطة بعد اختيارها في اتخاذ القرار وأنه ليس للسلطة أن تقطع أمرا دون الأمة كما قال تعالى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} [آل عمران:159].
و"من الواضح أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - عوَّد أصحابه على التصريح بآرائهم عند مشاورته لهم حتى ولو خالفت رأيه، فهو إنما يشاورهم فيما لا نص فيه تعويدًا لهم على التفكير في الأمور العامة ومعالجة مشاكل الأمة، فلا فائدة من المشورة إذا لم تقترن بحرية إبداء الرأي، ولم يحدث أن لام الرسول - صلى الله عليه وسلم - أحدًا، لأنه أخطأ في اجتهاده ولم يوفق في رأيه، وكذلك فإن الأخذ بالشورى ملزم للإمام, فلابد أن يطبق الرسول - صلى الله عليه وسلم - التوجيه القرآني: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) [آل عمران:159] , لتعتاد على ممارسة الشورى وهنا يظهر الوعي السياسي عند الصحابة رضوان الله عليهم، فرغم أن لهم إبداء الرأي, فإنه ليس لهم فرضه على القائد, فحسبهم أن يبينوا رأيهم ويتركوا للقائد حرية اختيار ما يترجح لديه من الآراء، فلما رأوا أنهم ألحوا في الخروج وأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - عزم على الخروج بسبب إلحاحهم، عادوا فاعتذروا إليه، لكن