وهي تقرر - ضمنا - أنه لا وجه لتكذيب أهل الكتاب للرسالة الجديدة. فهي سائرة على نمط الرسالات قبلها. وكتابها نزل بالحق كالكتب المنزلة. ونزل على رسول من البشر كما نزلت الكتب على رسل من البشر.

وهو مصدق لما بين يديه من كتب اللّه، يضم جناحيه على «الحق» الذي تضم جوانحها عليه. وقد نزله من يملك تنزيل الكتب .. فهو منزل من الجهة التي لها «الحق» في وضع منهاج الحياة للبشر، وبناء تصوراتهم الاعتقادية، وشرائعهم وأخلاقهم وآدابهم في الكتاب الذي ينزله على رسوله.

ثم تتضمن الآية في شطرها الثاني التهديد الرعيب للذين كفروا بآيات اللّه، وتلوح لهم بعزة اللّه وقوته وشدة عذابه وانتقامه .. والذين كفروا بآيات اللّه هم الذين كذبوا بهذا الدين الواحد بإطلاقه .. وأهل الكتاب الذين انحرفوا عن كتاب اللّه الصحيح المنزل إليهم من قبل، فقادهم هذا الانحراف إلى التكذيب بالكتاب الجديد - وهو فرقان واضح مبين - هم أول المعنيين هنا بصفة الكفر، وهم أول من يتوجه إليهم التهديد الرعيب بعذاب اللّه الشديد وانتقامه الأكيد (?) ..

وقال تعالى: «إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيء. إِنَّما أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ، ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ» .. إنه مفرق الطريق بين الرسول - صلى الله عليه وسلم - ودينه وشريعته ومنهجه كله وبين سائر الملل والنحل .. سواء من المشركين الذين كانت تمزقهم أوهام الجاهلية وتقاليدها وعاداتها وثاراتها، شيعا وفرقا وقبائل وعشائر وبطونا. أو من اليهود والنصارى ممن قسمتهم الخلافات المذهبية مللا ونحلا ومعسكرات ودولا. أو من غيرهم مما كان وما سيكون من مذاهب ونظريات وتصورات ومعتقدات وأوضاع وأنظمة إلى يوم الدين.

إن رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - ليس من هؤلاء كلهم في شيء .. إن دينه هو الإسلام وشريعته هي التي في كتاب اللّه ومنهجه هو منهجه المستقل المتفرد المتميز .. وما يمكن ان يختلط هذا الدين بغيره من المعتقدات والتصورات ولا أن تختلط شريعته ونظامه بغيره من

طور بواسطة نورين ميديا © 2015