الهداية، ونسيان العهد الذي يرفعه إلى مولاه. وفي هذا مظهر من مظاهر التكريم لا شك فيه، يضاف إلى عناصر التكريم الأخرى. كما أن فيه تذكيرا دائما بمفرق الطريق بين السعادة والشقاوة، والرفعة والهبوط، ومقام الإنسان المريد ودرك الحيوان المسوق! وفي أحداث المعركة التي تصورها القصة بين الإنسان والشيطان مذكر دائم بطبيعة المعركة. إنها بين عهد اللّه وغواية الشيطان بين الإيمان والكفر. بين الحق والباطل. بين الهدى والضلال .. والإنسان هو نفسه ميدان المعركة. وهو نفسه الكاسب أو الخاسر فيها. وفي هذا إيحاء دائم له باليقظة وتوجيه دائم له بأنه جندي في ميدان وأنه هو صاحب الغنيمة أو السلب في هذا الميدان! وأخيرا تجيء فكرة الإسلام عن الخطيئة والتوبة .. إن الخطيئة فردية والتوبة فردية. في تصور واضح بسيط لا تعقيد فيه ولا غموض .. ليست هنالك خطيئة مفروضة على الإنسان قبل مولده - كما تقول نظرية الكنيسة - وليس هنالك تكفير لاهوتي، كالذي تقول الكنيسة إن عيسى - عليه السلام - (ابن اللّه بزعمهم) قام به بصلبه، تخليصا لبني آدم من خطيئة آدم! ..
كلا! خطيئة آدم كانت خطيئة الشخصية، والخلاص منها كان بالتوبة المباشرة في يسر وبساطة. وخطيئة كل ولد من أولاده خطيئة كذلك شخصية، والطريق مفتوح للتوبة في يسر وبساطة .. تصور مريح صريح. يحمل كل إنسان وزره، ويوحي إلى كل إنسان بالجهد والمحاولة وعدم اليأس والقنوط .. «إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ» ..
هذا طرف من إيحاءات قصة آدم - في هذا الموضع - نكتفي به في ظلال القرآن. وهو وحده ثروة من الحقائق والتصورات القويمة وثروة من الإيحاءات والتوجيهات الكريمة وثروة من الأسس التي يقوم عليها تصور اجتماعي وأوضاع اجتماعية، يحكمها الخلق والخير والفضيلة. ومن هذا الطرف نستطيع أن ندرك أهمية القصص القرآني في تركيز قواعد التصور الإسلامي وإيضاح القيم التي يرتكز عليها. وهي القيم التي تليق بعالم صادر عن اللّه، متجه إلى اللّه، صائر إلى اللّه في نهاية المطاف .. عقد الاستخلاف فيه قائم على تلقي الهدى من اللّه، والتقيد بمنهجه في الحياة. ومفرق الطريق فيه أن يسمع الإنسان ويطيع لما يتلقاه من اللّه، أو أن يسمع الإنسان ويطيع لما يمليه عليه الشيطان. وليس هناك