رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ فَتَحَ عَلَيْنَا، فَمَلَأَ الْمُسْلِمُونَ أَيْدِيَهُمْ مِنْ مَتَاعٍ وَرَقِيقٍ وَرِقَةٍ مَا شَاءُوا، ثُمَّ إِنَّ سَلَمَةَ بْنَ قَيْسٍ أَمِيرَ الْقَوْمِ دَخَلَ، فَجَعَلَ يَتَخَطَّى بُيُوتَ نَارِهِمْ، فَإِذَا بِسَفَطَيْنِ مُعَلَّقَيْنِ بِأَعْلَى الْبَيْتِ، فَقَالَ: مَا هَذَانِ السَّفَطَانِ؟ فَقَالُوا: أَشْيَاءُ كَانَتْ تُعَظِّمُ بِهَا الْمُلُوكُ بُيُوتَ نَارِهِمْ، فَقَالَ: أَهْبِطُوهُمَا إِلَيَّ، فَإِذَا عَلَيْهِمَا طَوَابِعُ الْمُلُوكِ بَعْدَ الْمُلُوكِ قَالَ: مَا أَحْسَبُهُمْ طَبَعُوا إِلَّا عَلَى أَمْرٍ نَفِيسٍ، عَلَيَّ بِالْمُسْلِمِينَ، فَلَمَّا جَاءُوا أَخْبَرَهُمْ خَبَرَ السَّفَطَيْنِ، فَقَالَ: أَرَدْتُ أَنْ أَفُضَّهُمَا بِمَحْضَرٍ مِنْكُمْ، فَفَضَّهُمَا، فَإِذَا هُمَا مَمْلُوءَانِ بِمَا لَمْ يُرَ مِثْلُهُ أَوْ قَالَ: لَمْ أَرَ مِثْلَهُ، فَأَقْبَلَ بِوَجْهِهِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ، قَدْ عَلِمْتُمْ مَا أَبْلَاكُمُ اللَّهُ فِي وَجْهِكُمْ هَذَا، فَهَلْ لَكُمْ أَنْ تَطِيبُوا بِهَذَيْنِ السَّفَطَيْنِ أَنْفُسًا لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ لِحَوَائِجِهِ وَأُمُورِهِ وَمَا يَنْتَابُهُ، فَأَجَابُوهُ بِصَوْتِ رَجُلٍ وَاحِدٍ: إِنَّا نُشْهِدُ اللَّهَ أَنَّا قَدْ فَعَلْنَا، وَطَابَتْ أَنْفُسُنَا لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينِ، فَدَعَانِي، فَقَالَ: قَدْ عَهِدْتَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ الْحَرَّةِ، وَمَا أَوْصَانَا، وَمَا اتَّبَعْنَا مِنْ وَصِيَّتِهِ وَأَمْرِ السَّفَطَيْنِ، وَطِيبِ أَنْفُسِ الْمُسْلِمِينَ لَهُ بِهِمَا، فَأْتِ بِهِمَا إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، وَاصْدُقْهُ الْخَبَرَ، ثُمَّ ارْجِعْ إِلَيَّ بِمَا يَقُولُ لَكَ، فَقُلْتُ: مَا لِي بُدٌّ مِنْ صَاحِبٍ، فَقَالَ: خُذْ بِيَدِ مَنْ أَحْبَبْتَ.فَأَخَذْتُ بِيَدِ رَجُلٍ مِنَ الْقَوْمِ، فَانْطَلَقْنَا بِالسَّفَطَيْنِ نَهُزُّهُمَا حَتَّى قَدِمْنَا بِهِمَا الْمَدِينَةَ، فَأَجْلَسْتُ صَاحِبِي مَعَ السَّفَطَيْنِ، وَانْطَلَقْتُ أَطْلُبُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَإِذَا بِهِ يُغَدِّي النَّاسَ وَهُوَ يَتَوَكَّأُ عَلَى عُكَّازٍ وَهُوَ يَقُولُ:" يَا يَرْفَأُ، ضَعْ هَاهُنَا، يَا يَرْفَأُ، ضَعْ هَاهُنَا "،فَجَلَسْتُ فِي عُرْضِ الْقَوْمِ لَا آكُلُ شَيْئًا فَمَرَّ بِي، فَقَالَ:" أَلَا تُصِيبُ مِنَ الطَّعَامِ؟ " فَقُلْتُ: لَا حَاجَةَ لِي بِهِ، فَرَأَى النَّاسَ وَهُوَ قَائِمٌ عَلَيْهِمْ يَدُورُ فِيهِمْ، فَقَالَ:" يَا يَرْفَأُ، خُذْ خُونَكَ وَقِصَاعَكَ "،ثُمَّ أَدْبَرَ وَاتَّبَعْتُهُ، فَجَعَلَ يَتَخَلَّلُ طَرِيقَ الْمَدِينَةِ حَتَّى انْتَهَى إِلَى دَارٍ قَوْرَاءَ عَظِيمَةٍ، فَدَخَلَهَا، فَدَخَلْتُ فِي إِثْرِهِ، ثُمَّ انْتَهَى إِلَى حُجْرَةٍ مِنَ الدَّارِ فَدَخَلَهَا، فَقُمْتُ مَلِيًّا حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ تَمَكَّنَ فِي مَجْلِسِهِ، فَقُلْتُ: السَّلَامُ عَلَيْكَ، فَقَالَ:" وَعَلَيْكَ، فَادْخُلْ "،فَدَخَلْتُ، فَإِذَا هُوَ جَالِسٌ عَلَى وِسَادَةٍ مُرْتَفِقًا أُخْرَى، فَلَمَّا رَآنِي نَبَذَ إِلَيَّ الَّتِي كَانَ مُرْتِفَقًا، فَجَلَسْتُ عَلَيْهَا، فَإِذَا هِيَ تَغْرِزُنِي، فَإِذَا حَشْوُهَا لِيفٌ، قَالَ:" يَا جَارِيَةُ، أَطْعِمِينَا "،فَجَاءَتْ بِقَصْعَةٍ فِيهَا قِدَرٌ مِنْ خُبْزٍ يَابِسٍ، فَصَبَّ عَلَيْهَا زَيْتًا، مَا فِيهِ مِلْحٌ وَلَا خَلٌّ، فَقَالَ:" أَمَا إِنَّهَا لَوْ كَانَتْ رَاضِيَةً أَطْعَمَتْنَا