قال تعالى: «أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ. يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ - وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ - وَيُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالًا بَعِيداً» ..
ألم تر إلى هذا العجب العاجب .. قوم .. يزعمون .. الإيمان. ثم يهدمون هذا الزعم في آن؟! قوم «يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ».ثم لا يتحاكمون إلى ما أنزل إليك وما أنزل من قبلك؟ إنما يريدون أن يتحاكموا إلى شيء آخر، وإلى منهج آخر، وإلى حكم آخر .. يريدون أن يتحاكموا إلى .. الطاغوت .. الذي لا يستمد مما أنزل إليك وما أنزل من قبلك. ولا ضابط له ولا ميزان، مما أنزل إليك وما أنزل من قبلك .. ومن ثم فهو .. طاغوت .. طاغوت بادعائه خاصية من خواص الألوهية. وطاغوت بأنه لا يقف عند ميزان مضبوط أيضا!
وهم لا يفعلون هذا عن جهل، ولا عن ظن .. إنما هم يعلمون يقينا ويعرفون تماما، أن هذا الطاغوت محرم التحاكم إليه: «وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ» .. فليس في الأمر جهالة ولا ظن. بل هو العمد والقصد.
ومن ثم لا يستقيم ذلك الزعم. زعم أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك! إنما هو الشيطان الذي يريد بهم الضلال الذي لا يرجى منه مآب ..
«وَيُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالًا بَعِيداً» .. فهذه هي العلة الكامنة وراء إرادتهم التحاكم إلى الطاغوت. وهذا هو الدافع الذي يدفعهم إلى الخروج من حد الإيمان وشرطه بإرادتهم التحاكم إلى الطاغوت! هذا هو الدافع يكشفه لهم. لعلهم يتنبهون فيرجعوا. ويكشفه للجماعة المسلمة، لتعرف من يحرك هؤلاء ويقف وراءهم كذلك.
ويمضي السياق في وصف حالهم إذا ما دعوا إلى ما أنزل اللّه إلى الرسول وما أنزل من قبله .. ذلك الذي يزعمون أنهم آمنوا به: «وَإِذا قِيلَ لَهُمْ: تَعالَوْا إِلى ما أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى