رَبِّكُمْ، وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ» .. فهو واجب للّه نؤديه: واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتخويف من انتهاك الحرمات، لنبلغ إلى اللّه عذرنا، ويعلم أن قد أدينا واجبنا. ثم لعل النصح يؤثر في تلك القلوب العاصية فيثير فيها وجدان التقوى.

وهكذا انقسم سكان الحاضرة إلى ثلاث فرق .. أو ثلاث أمم .. فالأمة في التعريف الإسلامي هي مجموعة الناس التي تدين بعقيدة واحدة وتصور واحد وتدين لقيادة واحدة، وليست كما هي في المفهوم الجاهلي القديم أو الحديث، مجموعة الناس التي تسكن في إقليم واحد من الأرض وتحكمها دولة واحدة! فهذا مفهوم لا يعرفه الإسلام، إنما هي من مصطلحات الجاهلية القديمة أو الحديثة! (?)

وقد انقسم سكان القرية الواحدة إلى ثلاث أمم: أمة عاصية محتالة. وأمة تقف في وجه المعصية والاحتيال وقفة إيجابية بالإنكار والتوجيه والنصيحة. وأمة تدع المنكر وأهله، وتقف موقف الإنكار السلبي ولا تدفعه بعمل إيجابي .. وهي طرائق متعددة من التصور والحركة، تجعل الفرق الثلاث أمما ثلاثا! فلما لم يجد النصح، ولم تنفع العظة، وسدر السادرون في غيهم، حقت كلمة اللّه، وتحققت نذره.

فإذا الذين كانوا ينهون عن السوء في نجوة من السوء. وإذا الأمة العاصية يحل بها العذاب الشديد الذي سيأتي بيانه. فأما الفرقة الثالثة - أو الأمة الثالثة - فقد سكت النص عنها .. ربما تهوينا لشأنها - وإن كانت لم تؤخذ بالعذاب - إذ أنها قعدت عن الإنكار الإيجابي، ووقفت عند حدود الإنكار السلبي. فاستحقت الإهمال وإن لم تستحق العذاب: «فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ، وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذابٍ بَئِيسٍ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ. فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ ما نُهُوا عَنْهُ قُلْنا لَهُمْ: كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ»

طور بواسطة نورين ميديا © 2015