فَقَالَتْ: يَا ابْنَ عَمِّ، وَالَّذِي يُحْلَفُ بِهِ، إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ تَكُونَ نَبِيَّ هَذِهِ الْأُمَّةِ، ثُمَّ جَمَعَتْ عَلَيْهَا ثِيَابَهَا، ثُمَّ انْطَلَقَتْ إِلَى وَرَقَةَ بْنِ نَوْفَلٍ، وَكَانَ يَقْرَأُ الْكُتُبَ، فَأَخْبَرَتْهُ الْخَبَرَ، وَقَصَّتْ عَلَيْهِ مَا قَصَّ عَلَيْهَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -،فَقَالَ وَرَقَةُ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَإِنْ كُنْتِ صَدَقْتِنِي، إِنَّهُ لِنَبِيُّ هَذِهِ الْأُمَّةِ، إِنَّهُ لَيَأْتِيهِ النَّامُوسُ الْأَكْبَرُ، الَّذِي يَأْتِي مُوسَى، فَقُولِي لَهُ فَلْيَثْبُتْ قَالَ: فَرَجَعَتْ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -،فَأَخْبَرَتْهُ الْخَبَرَ فَاسْتَكْمَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - جِوَارَهُ بِحِرَاءٍ، ثُمَّ نَزَلَ فَبَدَأَ بِالْبَيْتِ فَطَافَ بِهِ فَلَقِيَهُ وَرَقَةُ بْنُ نَوْفَلٍ فَقَالَ: يَا ابْنَ أَخِي أَخْبِرْنِي بِالَّذِي رَأَيْتَ، فَقَصَّ عَلَيْهِ خَبَرَهُ، فَقَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهُ لِيَأْتِيكَ النَّامُوسُ الْأَكْبَرُ، الَّذِي كَانَ يَأْتِي مُوسَى، وَإِنَّكَ لِنَبِيُّ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَلَتُؤْذَيَنَّ وَلَتُخْرَجَنَّ، وَلَتُقَاتَلَنَّ، وَلَتُنْصَرَنَّ، وَلَئِنْ أَدْرَكْتُ ذَلِكَ لَأَنْصُرَنَّكَ نَصْرًا يَعْلَمُهُ اللهُ مِنِّي حَقًّا، ثُمَّ دَنَا فَقَبَّلَ شَوَاتَهُ - يَعْنِي وَسَطَ رَأْسِهِ - ثُمَّ انْصَرَفَ فَقَالَ وَرَقَةُ بْنُ نَوْفَلٍ فِي ذَلِكَ:
ذَكَرْتُ وَكُنْتُ فِي الذِّكْرَى لَجُوجًا ... لِهَمٍّ طَالَ مَا بَعَثَ النَّشِيجَا
وَوَصْفٍ مِنْ خَدِيجَةَ بَعْدَ وَصَفٍ ... فَقَدْ طَالَ انْتِظَارِي يَا خَدِيجَا
وَقَالَ وَرَقَةُ بْنُ نَوْفَلٍ أَيْضًا فِي ذَلِكَ:
يَا لَلرِّجَالِ لِصَرْفِ الدَّهْرِ وَالْقَدَرِ ... وَمَا عَسَى قَدْ قَضَاهُ اللهُ مِنْ غِيَرِ
جَاءَتْ خَدِيجَةُ تُنْبِينِي لِأُخْبِرَهَا ... وَمَا لَنَا بِخَمِيسِ الْغَيْبِ مِنْ خَبَرِ
فَكَانَ مَا سَأَلَتْ عَنْهُ لِأُخْبِرَهَا ... أَمْرًا أُرَاهُ سَيَأْتِي النَّاسَ فِي أُخَرِ
بِأَنَّ أَحْمَدَ يَأْتِيهِ فَيُخْبِرُهُ ... جِبْرِيلُ أَنَّكَ مَبْعُوثٌ إِلَى الْبَشَرِ
فَقُلْتُ: كَانَ الَّذِي تَرْجِينَ يُنْجِزُهُ ... لَكِ الْإِلَهُ فَرِّجِي الْخَيْرَ وَانْتَظِرِي
فَأَرْسِلِيهِ إِلَيْنَا كَيْ نُسَائِلَهُ ... عَنْ أَمْرِهِ مَا يَرَى فِي النَّوْمِ وَالسَّهَرِ
فَقَالَ حِينَ أَتَانِي مَنْطِقًا عَجَبًا ... يَقِفُّ مِنْهُ أَعَالِي الْجِلْدِ وَالشَعَرِ
إِنِّي رَأَيْتُ أَمِينَ اللهِ وَاجَهَنِي ... فِي صُورَةٍ أُكْمِلَتْ فِي أَحْسَنِ الصُّوَرِ
ثُمَّ اسْتَمَرَّ فَكَادَ الْخَوْفُ يُذْعِرُنِي ... مِمَّا يُسَلِّمُ مَا حَوْلِي مِنَ الشَّجَرِ
وَلِلْمَلِيكِ عَلَيَّ أَنْ دَعَوْتُهُمْ ... قَبْلَ الْجِهَادِ بِلَا مَنٍّ وَلَا كَدَرِ