مفرق الطريق بين الإيمان والنفاق

قال تعالى: «وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ: آمَنَّا بِاللَّهِ. فَإِذا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذابِ اللَّهِ وَلَئِنْ جاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ: إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ. أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِما فِي صُدُورِ الْعالَمِينَ؟ وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا، وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنافِقِينَ» ..

ذلك النموذج من الناس، يعلن كلمة الإيمان في الرخاء يحسبها خفيفة الحمل، هينة المئونة، لا تكلف إلا نطقها باللسان، «فَإِذا أُوذِيَ فِي اللَّهِ» بسبب الكلمة التي قالها وهو آمن معافى «جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذابِ اللَّهِ» فاستقبلها في جزع، واختلت في نفسه القيم، واهتزت في ضميره العقيدة وتصور أن لا عذاب بعد هذا الأذى الذي يلقاه، حتى عذاب اللّه وقال في نفسه: ها هو ذا عذاب شديد أليم ليس وراءه شيء، فعلام أصبر على الإيمان، و عذاب اللّه لا يزيد على ما أنا فيه من عذاب؟ وإن هو إلا الخلط بين أذى يقدر على مثله البشر، وعذاب اللّه الذي لا يعرف أحد مداه.

هذا موقف ذلك النموذج من الناس في استقبال الفتنة في ساعة الشدة.

«وَلَئِنْ جاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ: إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ»! إنا كنا معكم .. وذلك كان موقفهم في ساعة العسرة من التخاذل والتهافت والتهاوي، وسوء التصوير وخطأ التقدير. ولكن حين يجيء الرخاء تنبث الدعوى العريضة، وينتفش المنزوون المتخاذلون، ويستأسد الضعفاء المهزومون، فيقولون: «إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ»! «أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِما فِي صُدُورِ الْعالَمِينَ؟» ..

أو ليس يعلم ما تنطوي عليه تلك الصدور من صبر أو جزع، ومن إيمان أو نفاق؟ فمن الذي يخدعه هؤلاء وعلى من يموهون؟

«وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنافِقِينَ» .. وليكشفنهم فيعرفون فما كانت الفتنة إلا ليتبين الذين آمنوا ويتبين المنافقون.

ونقف لحظة أمام التعبير القرآني الدقيق وهو يكشف عن موضع الخطأ في هذا النموذج من الناس حين يقول: «جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذابِ اللَّهِ» ..

طور بواسطة نورين ميديا © 2015