الفكرية والمذهبية. بل تهدر حقوقه في نقد تصرفات «الحزب» ومن هم أقل من الحزب من الحكام المتسلطين في تلك الأنظمة البغيضة، التي تحشر الأناسي حشرا، وتسوقهم سوقا، لأن هؤلاء «الأناسيّ» وفق الفلسفة المادية ليسوا سوى نوع من الحيوان تطور عن حيوان! .. ثم يسمى ذلك النكد كله: «الاشتراكية العلمية»! فأما النظرة الإسلامية إلى «الإنسان» - وهي تقوم على أساس تفرده بخصائصه الإنسانية إلى جانب ما يشارك فيه الحيوان من التكوين العضوي - فإنها منذ اللحظة الأولى تعتبر أن مطالب الإنسان الأساسية مختلفة وزائدة عن مطالب الحيوان الأساسية. فليس الطعام والشراب والمسكن والجنس هي كل مطالبه الأساسية. وليس ما وراءها من مطالب العقل والروح مطالب ثانوية! .. إن العقيدة وحرية التفكير والإرادة والاختيار هي مطالب أساسية كالطعام والشراب والمسكن والجنس .. بل هي أعلى منها في الاعتبار لأنها هي المطالب الزائدة في الإنسان على الحيوان. أي المطالب المتعلقة بخصائصه التي تقرر إنسانيته! والتي بإهدارها تهدر آدميته! ومن ثم لا يجوز أن تهدر في النظام الإسلامي حرية الاعتقاد والتفكير والاختيار في سبيل «الإنتاج» وتوفير الطعام والشراب والمسكن والجنس للآدميين! كما لا يجوز أن تهدر القيم الأخلاقية - كما يقررها اللّه للإنسان لا كما يقررها العرف والبيئة والاقتصاد - في سبيل توفير تلك المطالب الحيوانية ..
إنهما نظرتان مختلفتان من الأساس في تقييم «الإنسان» و «مطالبه الأساسية» .. ومن ثم لا يمكن الجمع بينهما في نظام واحد على الإطلاق! فإما الإسلام، وإما المذاهب المادية بكل ما تفرزه من إفرازات نكدة .. بما فيها ما يسمونه هناك: «الاشتراكية العلمية» فإن هو إلا إفراز خبيث من إفرازات المادية الحقيرة المحتقرة للإنسان الذي كرمه اللّه.
والمعركة الخالدة بين الشيطان والإنسان في هذه الأرض ترتكز ابتداء إلى استدراج الشيطان للإنسان بعيدا عن منهج اللّه والتزيين له فيما عداه. استدراجه إلى الخروج من عبادة اللّه - أي الدينونة له في كل ما شرع من عقيدة وتصور، وشعيرة ونسك، وشريعة ونظام - فأما الذين يدينون له وحده - أي يعبدونه وحده - فليس للشيطان عليهم من سلطان .. «إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ» ..