قال تعالى: «وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا، وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ، وَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ» ..
لقد انتهى بهم الإسراف وتجاوز الحد والظلم - وهو الشرك - إلى الهلاك. وهذه مصارعهم كانوا يرون بقيتها في الجزيرة العربية في مساكن عاد وثمود وقرى قوم لوط ..
وتلك القرون. جاءتهم رسلهم بالبينات كما جاءكم رسولكم: «وَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا» .. لأنهم لم يسلكوا طريق الإيمان، وسلكوا طريق الطغيان فأبعدوا فيها، فلم يعودوا مهيئين للإيمان. فلقوا جزاء المجرمين .. «كَذلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ» ..
وإذ يعرض عليهم نهاية المجرمين، الذين جاءتهم رسلهم بالبينات فلم يؤمنوا، فحق عليهم العذاب، يذكرهم أنهم مستخلفون في مكان هؤلاء الغابرين، وأنهم مبتلون بهذا الاستخلاف ممتحنون فيما استخلفوا فيه: «ثُمَّ جَعَلْناكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ» ..
وهي لمسة قوية للقلب البشري إذ يدرك أنه مستخلف في ملك أديل من مالكيه الأوائل، وأجلي عنه أهله الذين سبق لهم أن مكنوا فيه، وأنه هو بدوره زائل عن هذا الملك، وإنما هي أيام يقضيها فيه، ممتحنا بما يكون منه، مبتلى بهذا الملك، محاسبا على ما يكسب، بعد بقاء فيه قليل! إن هذا التصور الذي ينشئه الإسلام في القلب البشري .. فوق أنه يريه الحقيقة فلا تخدعه عنها الخدع ..
يظل يثير فيه يقظة وحساسية وتقوى، هي صمام الأمن له، وصمام الأمن للمجتمع الذي يعيش فيه.
إن شعور الإنسان بأنه مبتلى وممتحن بأيامه التي يقضيها على الأرض، وبكل شيء يملكه، وبكل متاع يتاح له، يمنحه مناعة ضد الاغترار والانخداع والغفلة ويعطيه وقاية من