القوم ومن حوله أهله وأتباعه، كما نقول في العامية: (عامل قعر مجلس)؛ لذلك إذا قام انفضَّ المجلس كله؛ لأنهم تابعون له، كما قال الشاعر: وانفضَّ بَعْدَكَ يَا كُليْبُ المجلِسُ

وهناك النادي، وهو المكان الذي يجتمع فيه عظماء القوم والأعيان، بدل أنْ يكون لكل منهم مجلسه الخاص، كما نرى الآن: نادى الرياضيين ونادى القضاة .. إلخ إذن: فالنادي دليلٌ على أنهم متفقون ومتكاتفون ومتكتلون ضد الإسلام وضد الحق.

ومن ذلك قول الحق تبارك وتعالى: {فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ} [العلق:17] ومن ذلك ما كان يُسمَّى قبل الإسلام " دار الندوة "،وكانوا يجتمعون فيها ليدبروا المكائد لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

ومن النادي ما كان مأخوذاً لعمل المنكر والفاحشة والعياذ بالله، فيجتمعون فيه لكُلِّ ما هو خبيث من شُرْب الخمر والرقص والفواحش، كما في قَوْل الحق ـ تبارك وتعالى ـ: {وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ} [العنكبوت:29].

وفي هذا دليل على شيوع الفاحشة والقِحَةِ بين القادرين والمجاهرة بها، فلم يكونوا يقترفونها سِرّاً، بل في جَمْع من رُوَّاد هذه الأماكن.

والنادي أو المنتدَى مأخوذ من النَّدَى أي: الكرم، ولما مدحَتْ المرأة العربية زوجها قالت: رَفيع العِماد، كثير الرماد، قريب البيت من الناد.

والمعنى: أن بيته أقرب البيوت إلى النادي، فهو مَقْصد الناس في قضاء حاجياتهم.

إذن: كان قول الكفار للمؤمنين: {أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَّقَاماً وَأَحْسَنُ نَدِيّاً} [مريم:73] موضع فتنة للفريقين، فقال المؤمنون: {لَوْ كَانَ خَيْراً مَّا سَبَقُونَآ إِلَيْهِ} [الأحقاف:11] وقال الكفار: ما دام أن الله حبانا في الدنيا وهو الرزاق، فلا بد أنْ يَحْبُوَنَا في الآخرة، لكن لم تتعرض الآيات للقول المقابل من المؤمنين، إنما جاء الرد عليهم من طريق آخر، فقال تعالى: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثًا وَرِئْيًا (74)}

كم: خبرية تدل على الكثرة التي لا تُحصَى، وأن المقول بعدها وقع كثيراً، كأن يقول لك صاحبك: أنت ما عملتَ معي معروفاً أبداً، فتُعدِّد له صنائع المعروف التي أسديتها إليه، فتقول: كم فعلتُ معك كذا، وكم فعلتُ كذا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015