إن هذا القرآن لم يأت لمواجهة موقف تاريخي إنما جاء منهجا مطلقا خارجا عن قيود الزمان والمكان.
منهجا تتخذه الجماعة المسلمة حيثما كانت في مثل الموقف الذي تنزل فيه هذا القرآن. وهي اليوم في مثل هذا الموقف تماما وقد استدار الزمان كهيئته يوم جاء هذا القرآن لينشىء الإسلام في الأرض إنشاء .. فليكن اليقين الجازم بحقيقة هذا الدين. والشعور الواضح بحقيقة قدرة اللّه وقهره. والمفاصلة الحاسمة مع الباطل وأهله .. لتكن هذه عدة الجماعة المسلمة .. واللّه خير حافظا وهو أرحم الراحمين (?) ..
وقال تعالى: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آباءَكُمْ وَإِخْوانَكُمْ أَوْلِياءَ - إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمانِ - - وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ. قُلْ: إِنْ كانَ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ وَإِخْوانُكُمْ وَأَزْواجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ، وَأَمْوالٌ اقْتَرَفْتُمُوها، وَتِجارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسادَها، وَمَساكِنُ تَرْضَوْنَها .. أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهادٍ فِي سَبِيلِهِ، فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ. وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ» ..
إن هذه العقيدة لا تحتمل لها في القلب شريكا فإما تجرد لها، وإما انسلاخ منها. وليس المطلوب أن ينقطع المسلم عن الأهل والعشيرة والزوج والولد والمال والعمل والمتاع واللذة ولا أن يترهبن ويزهد في طيبات الحياة .. كلا إنما تريد هذه العقيدة أن يخلص لها القلب، ويخلص لها الحب، وأن تكون هي المسيطرة والحاكمة، وهي المحركة والدافعة. فإذا تم لها هذا فلا حرج عندئذ أن يستمتع المسلم بكل طيبات الحياة، على أن يكون مستعدا لنبذها كلها في اللحظة التي تتعارض مع مطالب العقيدة.
ومفرق الطريق هو أن تسيطر العقيدة أو يسيطر المتاع وأن تكون الكلمة الأولى للعقيدة أو لعرض من أعراض هذه الأرض. فإذا اطمأن المسلم إلى أن قلبه خالص لعقيدته فلا عليه بعد هذا أن يستمتع بالأبناء والإخوة وبالزوج والعشيرة ولا عليه أن يتخذ الأموال والمتاجر والمساكن ولا عليه أن يستمتع بزينة اللّه والطيبات من الرزق - في غير سرف