والأمر موجه ابتداء إلى رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - فيما كان فيه من أمر أهل الكتاب الذين يجيئون إليه متحاكمين. ولكنه ليس خاصا بهذا السبب، بل هو عام .. وإلى آخر الزمان .. طالما أنه ليس هناك رسول جديد، ولا رسالة جديدة، لتعديل شيء ما في هذا المرجع الأخير! لقد كمل هذا الدين، وتمت به نعمة اللّه على المسلمين. ورضيه اللّه لهم منهج حياة للناس أجمعين. ولم يعد هنالك من سبيل لتعديل شيء فيه أو تبديله، ولا لترك شيء من حكمه إلى حكم آخر، ولا شيء من شريعته إلى شريعة أخرى. وقد علم اللّه حين رضيه للناس، أنه يسع الناس جميعا. وعلم اللّه حين رضيه مرجعا أخيرا أنه يحقق الخير للناس جميعا. وأنه يسع حياة الناس جميعا، إلى يوم الدين. وأي تعديل في هذا المنهج - ودعك من العدول عنه - هو إنكار لهذا المعلوم من الدين بالضرورة. يخرج صاحبه من هذا الدين. ولو قال باللسان ألف مرة: إنه من المسلمين! وقد علم اللّه أن معاذير كثيرة يمكن أن تقوم وأن يبرر بها العدول عن شيء مما أنزل اللّه واتباع أهواء المحكومين المتحاكمين .. وأن هواجس قد تتسرب في ضرورة الحكم بما أنزل اللّه كله بلا عدول عن شيء فيه، في بعض الملابسات والظروف. فحذر اللّه نبيه - صلى الله عليه وسلم - في هذه الآيات مرتين من اتباع أهواء المتحاكمين، ومن فتنتهم له عن بعض ما أنزل اللّه إليه ..

وأولى هذه الهواجس: الرغبة البشرية الخفية في تأليف القلوب بين الطوائف المتعددة، والاتجاهات والعقائد المتجمعة في بلد واحد. ومسايرة بعض رغباتهم عند ما تصطدم ببعض أحكام الشريعة، والميل إلى التساهل في الأمور الطفيفة، أو التي يبدو أنها ليست من أساسيات الشريعة!

وقد روي أن اليهود عرضوا على رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - أن يؤمنوا له إذا تصالح معهم على التسامح في أحكام بعينها منها حكم الرجم. وأن هذا التحذير قد نزل بخصوص هذا العرض .. ولكن الأمر - كما هو ظاهر - أعم من حالة بعينها وعرض بعينه. فهو أمر يعرض في مناسبات شتى، ويتعرض له أصحاب هذه الشريعة في كل حين .. وقد شاء اللّه - سبحانه - أن يحسم في هذا الأمر، وأن يقطع الطريق على الرغبة البشرية الخفية

طور بواسطة نورين ميديا © 2015