تَعْلِيقَ كُلِّ وَصْفٍ عَلَى الْفَرِيقِ الَّذِي عُلِّقَ عَلَيْهِ يُرْشِدُ إِلَى أَنَّ الْمَوْصُوفِينَ بِالضَّالِّينَ هُمْ دُونَ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ فِي الضَّلَالِ فَالْمُرَادُ الْمَغْضُوبُ عَلَيْهِمْ غَضَبًا شَدِيدًا لِأَنَّ ضَلَالَهُمْ شَنِيعٌ.
فَالْيَهُودُ مَثَلٌ لِلْفَرِيقِ الْأَوَّلِ وَالنَّصَارَى مِنْ جُمْلَةِ الْفَرِيقِ الثَّانِي كَمَا وَرَدَ بِهِ الْحَدِيثُ عَنِ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - فِي «جَامِعِ التِّرْمِذِيِّ» وَحَسَّنَهُ. وَمَا وَرَدَ فِي الْأَثَرِ مِنْ تَفْسِيرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ بِالْيَهُودِ وَالضَّالِّينَ بِالنَّصَارَى، فَهُوَ مِنْ قَبِيلِ التَّمْثِيلِ بِأَشْهَرِ الْفِرَقِ الَّتِي حَقَّ عَلَيْهَا هَذَانِ الْوَصْفَانِ، فَقَدْ كَانَ الْعَرَبُ يَعْرِفُونَ الْيَهُودَ فِي خَيْبَرَ وَالنَّضِيرِ وَبَعْضِ سُكَّانِ الْمَدِينَةِ وَفِي عَرَبِ الْيَمَنِ. وَكَانُوا يَعْرِفُونَ نَصَارَى الْعَرَبِ مِثْلَ تَغْلِبَ وَكَلْبٍ وَبَعْضِ قُضَاعَةَ، وَكُلُّ أُولَئِكَ بَدَّلُوا وَغَيَّرُوا وَتَنَكَّبُوا عَنِ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ الَّذِي أَرْشَدَهُمُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَتَفَرَّقُوا فِي بِنْيَاتِ الطُّرُقِ عَلَى تَفَاوُتٍ فِي ذَلِكَ. فَالْيَهُودُ تَمَرَّدُوا عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ وَأَحْبَارِهِمْ غَيْرَ مَرَّةٍ وَبَدَّلُوا الشَّرِيعَةَ عَمْدًا فَلَزِمَهُمْ وَصْفُ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَعَلِقَ بِهِمْ فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ. وَالنَّصَارَى ضَلُّوا بَعْدَ الْحَوَارِيِّينَ وَأَسَاءُوا فَهْمَ مَعْنَى التَّقْدِيسِ فِي عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فَزَعَمُوهُ ابْنَ اللَّهِ عَلَى الْحَقِيقَةِ قَالَ تَعَالَى: قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلا تَتَّبِعُوا أَهْواءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيراً وَضَلُّوا عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ [الْمَائِدَة:77]. وَفِي وَصْفِ الصِّرَاطِ الْمَسْئُولِ فِي قَوْلِهِ: اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ بِالْمُسْتَقِيمِ إِيمَاءً إِلَى أَنَّ الْإِسْلَامَ وَاضِحُ الْحُجَّةِ قَوِيمُ الْمَحَجَّةِ لَا يَهْوِي أَهْلُهُ إِلَى هُوَّةِ الضَّلَالَةِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: قُلْ إِنَّنِي هَدانِي رَبِّي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً [الْأَنْعَام:161] وَقَالَ: وَأَنَّ هَذَا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ [الْأَنْعَام:153]،عَلَى تَفَاوُتٍ فِي مَرَاتِبِ إِصَابَةِ مُرَادِ اللَّهِ تَعَالَى وَلِذَلِكَ روي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -:إِذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ فَأَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ وَإِذَا حَكَمَ، فَاجْتَهَدَ، فَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ (?).