إن ذهاب الباطل ناجيا في معركة من المعارك. وبقاءه منتفشا فترة من الزمان، ليس معناه أن اللّه تاركه، أو أنه من القوة بحيث لا يغلب، أو بحيث يضر الحق ضررا باقيا قاضيا ..

وإن ذهاب الحق مبتلى في معركة من المعارك، وبقاءه ضعيف الحول فترة من الزمان، ليس معناه أن اللّه مجافيه أو ناسيه! أو أنه متروك للباطل يقتله ويرديه ..

كلا. إنما هي حكمة وتدبير .. هنا وهناك .. يملى للباطل ليمضي إلى نهاية الطريق وليرتكب أبشع الآثام، وليحمل أثقل الأوزار، ولينال أشد العذاب باستحقاق! .. ويبتلى الحق، ليميز الخبيث من الطيب، ويعظم الأجر لمن يمضي مع الابتلاء ويثبت .. فهو الكسب للحق والخسار للباطل، مضاعفا هذا وذاك! هنا وهناك! «وَلا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ، إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئاً، يُرِيدُ اللَّهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآخِرَةِ، وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ» ..

إنه يواسي النبي - صلى الله عليه وسلم - ويدفع عنه الحزن الذي يساور خاطره وهو يرى المغالين في الكفر، يسارعون فيه، ويمضون بعنف واندفاع وسرعة، كأنما هنالك هدف منصوب لهم يسارعون إلى بلوغه! وهو تعبير مصور لحالة نفسية واقعية. فبعض الناس يرى مشتدا في طريق الكفر والباطل والشر والمعصية كأنه يجهد لنيل السبق فيه! فهو يمضي في عنف واندفاع وحماسة كأن هناك من يطارده من الخلف، أو من يهتف له من الأمام، إلى جائزة تنال! وكان الحزن يساور قلب رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - حسرة على هؤلاء العباد الذين يراهم مشمرين ساعين إلى النار، وهو لا يملك لهم ردا، وهم لا يسمعون له نذارة! وكان الحزن يساور قلبه كذلك لما يثيره هؤلاء المشمرون إلى النار المسارعون في الكفر، من الشر والأذى يصيب المسلمين، ويصيب دعوة اللّه، وسيرها بين الجماهير، التي كانت تنتظر نتائج المعركة مع قريش لتختار الصف الذي تنحاز إليه في النهاية .. فلما أسلمت قريش واستسلمت دخل الناس في دين اللّه أفواجا .. ومما لا شك فيه أنه كان لهذه الاعتبار ات وقعها في قلب الرسول الكريم. فيطمئن اللّه رسوله - صلى الله عليه وسلم - ويواسي قلبه، ويمسح عنه الحزن الذي يساوره.

«وَلا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ. إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئاً» ..

طور بواسطة نورين ميديا © 2015