قال تعالى: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ» ..
وأية خسارة بعد خسارة الارتداد على الأعقاب، من الإيمان إلى الكفر؟ وأي ربح يتحقق بعد خسارة الإيمان؟
وإذا كان مبعث الميل إلى طاعة الذين كفروا هو رجاء الحماية والنصرة عندهم، فهو وهم، يضرب السياق صفحا عنه، ليذكرهم بحقيقة النصرة والحماية: «بَلِ اللَّهُ مَوْلاكُمْ، وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ».
فهذه هي الجهة التي يطلب المؤمنون عندها الولاية، ويطلبون عندها النصرة. ومن كان اللّه مولاه، فما حاجته بولاية أحد من خلقه؟ ومن كان اللّه ناصره فما حاجته بنصرة أحد من العبيد؟
ثم يمضي السياق يثبت قلوب المسلمين، ويبشرهم بإلقاء الرعب في قلوب أعدائهم، بسبب إشراكهم باللّه ما لم ينزل به سلطانا، ولم يجعل له قوة وقدرة. وذلك فوق عذاب الآخرة المهيأ للظالمين: «سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِما أَشْرَكُوا بِاللَّهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً. وَمَأْواهُمُ النَّارُ، وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ» ..
والوعد من اللّه الجليل القادر القاهر، بإلقاء الرعب في قلوب الذين كفروا، كفيل بنهاية المعركة، وضمان لهزيمة أعدائه ونصر أوليائه ..
وهو وعد قائم في كل معركة يلتقي فيها الكفر بالإيمان. فما يلقى الذين كفروا الذين آمنوا حتى يخافوهم، ويتحرك الرعب الملقى من اللّه في قلوبهم. ولكن المهم أن توجد حقيقة الإيمان في قلوب المؤمنين. حقيقة الشعور بولاية اللّه وحده، والثقة المطلقة بهذه الولاية، والتجرد من كل شائبة من شك في أن جند اللّه هم الغالبون، وأن اللّه غالب على أمره، وأن الذين كفروا غير معجزين في الأرض ولا سابقين للّه سبحانه!