إِذَا تَجَاثَيْنَا عَلَى الرُّكَبِ وَكُنَّا كَفَرَسَيْ رِهَانٍ قَالُوا: مِنَّا نَبِيٌّ يَأْتِيهِ الْوَحْيُ مِنَ السَّمَاءِ، فَمَتَى نُدْرِكُ هَذِهِ؟ وَاللَّهِ لَا نُؤْمِنُ بِهِ أَبَدًا، وَلَا نُصَدِّقُهُ، فَقَامَ عَنْهُ الْأَخْنَسُ بْنُ شَرِيقٍ " (?)
وهي إحدى القصص الكثيرة .. والذين لهم ذوق في أي جيل يعرفون ما في القرآن من خصوصية وسلطان وبرهان من هذا الجانب .. فأما فحوى القرآن .. التصور الذي يحمله. والمنهج الذي يقرره. والنظام الذي يرسمه. و «التصميم» الذي يضعه للحياة .. فلا نملك هنا أن نفصله .. ولكن فيه البرهان كل البرهان على المصدر الذي جاء منه وعلى أنه ليس من صنع الإنسان، لأنه يحمل طابع صنعة كاملة ليس هو طابع الإنسان (?).
وفي هذا القرآن نور: «وَأَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً» ..
نور تتجلى تحت أشعته الكاشفة حقائق الأشياء واضحة ويبدو مفرق الطريق بين الحق والباطل محددا مرسوما .. في داخل النفس وفي واقع الحياة سواء .. حيث تجد النفس من هذا النور ما ينير جوانبها أولا فترى كل شيء فيها ومن حولها واضحا .. حيث يتلاشى الغبش وينكشف وحيث تبدو الحقيقة بسيطة كالبديهية، وحيث يعجب الإنسان من نفسه كيف كان لا يرى هذا الحق وهو بهذا الوضوح وبهذه البساطة؟!
وحين يعيش الإنسان بروحه في الجو القرآني فترة ويتلقى منه تصوراته وقيمه وموازينه، يحس يسرا وبساطة ووضوحا في رؤية الأمور. ويشعر أن مقررات كثيرة كانت قلقة في حسه قد راحت تأخذ أماكنها في هدوء وتلتزم حقائقها في يسر وتنفي ما علق بها من الزيادات المتطفلة لتبدو في براءتها الفطرية، ونصاعتها كما خرجت من يد اللّه ..
ومهما قلت في هذا التعبير: «وَأَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً» .. فإنني لن أصور بألفاظي حقيقته، لمن لم يذق طعمه ولم يجده في نفسه! ولا بد من المكابدة في مثل هذه المعاني!