فهو طريق الذين قسم لهم نعمته. لا طريق الذين غضب عليهم لمعرفتهم الحق ثم حيدتهم عنه. أو الذين ضلوا عن الحق فلم يهتدوا أصلا إليه .. إنه صراط السعداء المهتدين الواصلين .. (?)
وَقَوْلُهُ: (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ) قَالَ جَمَاهِيرُ مِنْ عُلَمَاءِ التَّفْسِيرِ: (الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ) الْيَهُودُ، وَ «الضَّالُّونَ» النَّصَارَى. وَقَدْ جَاءَ الْخَبَرُ بِذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ حَدِيثِ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. وَالْيَهُودُ وَالنَّصَارَى وَإِنْ كَانُوا ضَالِّينَ جَمِيعًا مَغْضُوبًا عَلَيْهِمْ جَمِيعًا، فَإِنَّ الْغَضَبَ إِنَّمَا خُصَّ بِهِ الْيَهُودُ، وَإِنْ شَارَكَهُمُ النَّصَارَى فِيهِ ; لِأَنَّهُمْ يَعْرِفُونَ الْحَقَّ وَيُنْكِرُونَهُ، وَيَأْتُونَ الْبَاطِلَ عَمْدًا، فَكَانَ الْغَضَبُ أَخَصَّ صِفَاتِهِمْ. وَالنَّصَارَى جَهَلَةٌ لَا يَعْرِفُونَ الْحَقَّ، فَكَانَ الضَّلَالُ أَخَصَّ صِفَاتِهِمْ.
وَعَلَى هَذَا فَقَدَ يُبَيِّنُ أَنَّ (الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ) الْيَهُودَ قَوْلُهُ تَعَالَى فِيهِمْ: (فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ) الْآيَةَ [2\ 90]،وَقَوْلُهُ فِيهِمْ أَيْضًا: (هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ) الْآيَةَ [5\ 60]،وَقَوْلُهُ: (إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ) الْآيَةَ [7\ 152]،وَقَدْ يُبَيِّنُ أَنَّ (الضَّالِّينَ) النَّصَارَى قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ) [5\ 77]. (?)
وَمِنْ غَرَضِ وَصْفِ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ بِأَنَّهُمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ التَّعَوُّذُ مِمَّا عَرَضَ لِأُمَمٍ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بِالْهِدَايَةِ إِلَى صِرَاطِ الْخَيْرِ بِحَسَبِ زَمَانِهِمْ بِدَعْوَةِ الرُّسُلِ إِلَى الْحَقِّ فَتَقَلَّدُوهَا ثُمَّ طَرَأَ عَلَيْهِمْ سُوءُ الْفَهْمِ فِيهَا فَغَيَّرُوهَا وَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا، وَالتَّبَرُّؤُ مِنْ أَنْ يَكُونُوا مِثْلَهُمْ فِي بَطَرِ النِّعْمَةِ وَسُوءِ الِامْتِثَالِ وَفَسَادِ التَّأْوِيلِ وَتَغْلِيبِ الشَّهَوَاتِ الدُّنْيَوِيَّةِ عَلَى إِقَامَةِ الدِّينِ حَتَّى حَقَّ عَلَيْهِمْ غَضَبُ اللَّهِ تَعَالَى، وَكَذَا التَّبَرُّؤُ مِنْ حَالِ الَّذِينَ هُدُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ فَمَا صَرَفُوا عِنَايَتَهُمْ لِلْحِفَاظِ عَلَى السَّيْرِ فِيهِ بِاسْتِقَامَةٍ، فَأَصْبَحُوا مِنَ الضَّالِّينَ بَعْدَ الْهِدَايَةِ إِذْ أَسَاءُوا صِفَةَ الْعِلْمِ بِالنِّعْمَةِ فَانْقَلَبَتْ هِدَايَتُهُمْ ضَلَالًا.