ولقد كنت أنا والقاضى الفاضل نقعد كل ليلة إلى أن يمضى من الليل ثلث أو قريب [419] منه، ثم نحضر في باب الدار، فإن وجدنا طريقا دخلنا وشاهدناه، وإلا انصرفنا، وكنا نجد الناس يرتقبون خروجنا إلى بيوتنا حتى يعرفوا أحواله من صفحات وجوهنا.
ولما كان اليوم العاشر من مرضه حقن دفعتين، وحصل له من الحقنة راحة، وحصل بعض الخفة، وتناول من ماء الشعير مقدارا جيدا صالحا، وفرح الناس فرحا شديدا، فأقمنا على العادة إلى أن مضى من الليل هزيع، ثم أتينا باب الدار فوجدنا جمال الدولة إقبالا، فالتمسنا منه تعريف الحال المتجدد، فدخل ثم أنفذ إلينا مع الملك المعظم توران شاه - ولد السلطان - يقول: " إن العرق قد أخذ في ساقيه "، فشكرنا الله تعالى على ذلك، وانصرفنا طيبة قلوبنا، ثم أصبحنا فأخبرنا أن العرق قد أفرط حتى نفذ من الفراش، وتأثرت به الأرض، وأن اليبس قد تزايد تزايدا عظيما، وخارت القوة، واستشعر الأطباء.
ولما رأى الملك الأفضل ما حلّ بوالده (?) وتحقق اليأس منه شرع في تحليف الناس، وجلس في دار رضوان المعروفة بسكناه، واستحضر القضاة، وعمل له نسخة يمين (?) مختصرة محصلة للمقاصد (?)، تتضمن الحلف للسلطان مدة حياته، وله بعد وفاته، واعتذر إلى الناس بأن المرض قد اشتد، وما يعلم ما يكون.
وكان ممن حلف من أعيان الأمراء: سعد الدين مسعود أخو بدر الدين مودود الشحنة، (?) وناصر الدين منكورس بن ناصر الدين خمارتكين - صاحب صهيون -