وأعان أهل النار أهل النار، فاجتمع في هذه الجموع من الجيوش الغربية والألسنة الأعجمية من لا يحصر معدوده، ولا يتصور في الدنيا وجوده، فما أحقهم بقول أبى الطيب:
تجمع فيه كل لسن وأمة ... فما يفهم الحداث (?) إلا التراجم
حتى أنه إذا أسر الأسير واستأمن المستأمن، أحتيج في فهم لغته إلى عدة تراجم، ينقل واحد عن آخر، ويقول ثان ما يقول أول، وثالث ما يقول ثان؛ والأصحاب كلّوا [378] وملّوا، وصبروا إلى أن ضجروا، وتجلدوا إلى أن تبلدوا، والعساكر التي تصل من المكان البعيد لا تصل إلا وقد كلّ ظهرها، وقلّ وقرها، وضاق بالبيكار صدرها، لا تستفتح إلا بطلب الدستور، ويصير ضجرها مضرا بالسمعة عند العدو المخذول.
ولهم - خذلهم الله - تنوع في المكايدة، فإنهم قاتلوا مرة بالأبرجة، وأخرى بالمنجنيقات، وثالثة بالدبابات، ورابعة بالكباش، وأخرى باللوالب، ويوما بالنقب، وليلا بالسرابات (?)، وطورا بطم الخنادق، وأناة بنصب السلالم، ودفعة بالزحوف (?) في الليل والنهار، وحالة في البحر في المراكب.