قلت (?): إن عدة (?) الدين أبا نصر محمد بن الإمام الناصر لدين الله كان الأكبر من ولد الإمام الناصر، وكان شهما قوى النفس شجاعا مقداما له همة عالية ونفس أبية، وكان أبوه يخافه ويستشعر منه لما يرى من شهامته وقوة نفسه، وكان أيضا أبو نصر محمد مخالفا لأبيه في المذهب، لأن أباه كان شيعيا، وكان أبو نصر سنيا يبغض الروافض، ويميل إلى الحنابلة، وكان أبوه يكرهه أيضا لهذا الأمر، لكنه لم يجد بدا من توليته العهد بعده إذ لم يكن له في ذلك الوقت من يصلح للأمر من بعده من ولده غيره.
ثم إن الناصر لدين الله من بعد ذلك [331] نشأ له ولد أصغر من أبى نصر محمد، وهو أبو الحسن على، فكان منقادا لأبيه جدا، موافقا له في مذهب التشيع، فمال إليه الناصر لدين الله ميلا عظيما، وأعرض عن أبى نصر محمد، وقويت النفرة بينهما، وأدى ذلك إلى خلع الناصر ولده أبا نصر من ولاية العهد، وأمر بإسقاط اسمه من السكة والخطبة، وكتب بذلك إلى سائر الآفاق، وقيّد أبا نصر وحبسه.
ثم بعد ذلك توفى أبو الحسن على بن الناصر، فحزن عليه أبوه الناصر حزنا عظيما، وتقدم إلى الشعراء بمرثيته، (?) وأظهر الملوك في سائر الأطراف شعار الحزن عليه، وجلسوا له في العزاء (3)، ورثته - كما سنذكره إن شاء الله تعالى - الشعراء، ولم يبق للخليفة غير أبى نصر، فدعته الضرورة إلى إعادة أبى نصر (?) إلى ولاية عهده،