فلما انتهيت من هذه الدراسة بدأت أفرغ لتحقيق أمنيتى القديمة وهى إعداد النص نفسه للنشر، وها أنذا اليوم أقدّم للقارئ الجزء الأوّل من هذا التاريخ الكبير الهام.
(2)
ولا ينتظرنّ القارئ منى هنا أن أقدّم له تلك الدراسة التحليلية التي أعددتها عن المؤرخ والكتاب، فسيكون موضعها بإذن الله المجلد الأخير من هذه النشرة، وإنما أنا سأوجز هنا فكرة سريعة للتعريف بابن واصل ولبيان موضوعات هذا الجزء الأوّل ولشرح منهجى الذى التزمته في نشر الكتاب.
جمال الدين أبو عبد الله محمد بن سالم بن نصر الله بن سالم بن واصل المازنى التميمى الحموى الشافعى مؤرخ كبير من مؤرخى القرن السابع الهجرى (13 م) ولد مع مولد هذا القرن، وتوفى قبيل نهايته (604 - 697 هـ - 1208 - 1298 م). وطنه الأصلى حماة، ولكنه طوّف في بلدان الشرق الأدنى الكبرى وعواصمه، وخاصة دمشق وبيت المقدس وحلب والكرك وبغداد ومكة والمدينة والقاهرة، وأقام في عاصمة مصر سنوات طويلة في عهد الملك الصالح نجم الدين أيوب، وشهد أثناء مقامه في مصر حملة لويس التاسع الصليبية عليها، واحتضار الدولة الأيوبية وقيام دولة المماليك، وما عاصر ذلك من غزوات التتار للعراق والشام وسقوط بغداد، وانتهاء الخلافة العباسية على أيديهم، ثم انتقالها إلى القاهرة؛ ثم اتصل بالظاهر بيبرس وأرسل سفيرا عنه إلى منفرد بن فردريك الثانى ملك الصقليتين وامبراطور الدولة الرومانية المقدسة.
ولابن واصل مؤلفات كثيرة في الأدب والهندسة وعلم الهيئة والطب والتاريخ، ضاع معظمها وبقى بعضها مبعثرا في مكتبات العالم المختلفة ينتظر من يعنى بدراسته وإحيائه؛ ولعل أهم مؤلفاته جميعا - ما ضاع منها وما بقى - كتابه التاريخى الكبير «مفرّج الكروب في أخبار بنى أيوب» الذى أرّخ فيه للدولة الأيوبية منذ قيامها إلى نهايتها في تفصيل واف وتحقيق شامل دقيق، ولا غرو فقد اتصل بمعظم ملوكهم في الشام ومصر، وبمعظم رجال الدولة وأدبائها وعلمائها في القطرين؛ فالحوادث التي يرويها - وخاصة في القسم الثانى من الكتاب - يرويها عن مشاهدة حينا