وفى سنة ثمانية وخمسين وخمسمائة [82] جمع نور الدين - رحمه الله - العساكر، فنزل بالبقيعة، تحت حصن الأكراد، عازما على دخول بلادهم، ومنازلة اطرابلس؛ فبينا الناس في بعض الأيام في خيامهم وإذا بصلبان الفرنج وراء الجبل الذى عليه الحصن، فكبسوا المسلمين، ووضعوا فيهم السيف، وأكثروا فيهم القتل والأسر، وقصدوا خيمة نور الدين محمود، فخرج من ظهر خيمته عجلا بغير قباء، فركب فرسا (?) هناك للنوبة، ولسرعته ركبه وفى رجله الشبحة (?)، فنزل إنسان من الأكراد فقطعها، فنجا نور الدين، وقتل الكردى، فسأل نور الدين من بعد ذلك عن مخلفيه فأحسن إليهم جزاء الفعلة.
وكان أكثر القتل في السوقة، وسار نور الدين إلى حمص، فنزل ظاهرها، وأحضر ما يحتاج إليه من الخيام فنصبها على بحيرة قدس، وكان الناس يظنون أنه لا يقف دون حلب، واجتمع إليه كل من نجا من المعركة، وأرسل إلى دمشق، وأحضر الأموال والدواب والأسلحة والخيام وجميع ما يحتاج إليه، وفرّق ذلك على من سلم، ومن قتل أقرّ إقطاعه على أولاده، ومن لم يكن له أولاد فعلى بعض أهله، فعاد العسكر (?) في مدة قريبة كأنه لم يفقد منه أحد؛ فرحمه الله وقدّس روحه، وهكذا فلتكن الملوك.