وكان شديد الغيرة، لا سيما على نساء الأجناد، وكان التعرض إليهن من الذنوب التي لا تغتفر، وكان يقول: «إن جندى لا يفارقونى في أسفارى، وقل ما يقيمون عند أهلهم، فإن نحن لم نمنع من التعرض إلى حرمهم هلكن وفسدن»؛ وكان قد ولّى قلعة الجزيرة دزدارا يقال له نور الدين حسن البربطى (?)، وكان من خواصه، وكان غير مرضى السيرة، فبلغه أنه يتعرض للحرم، فأمر حاجبه صلاح الدين محمد ابن أيوب الياغيسيانى (?) - صاحب حماة - أن يسير مجدّا، ويدخل الجزيرة بغتة، فإذا دخلها أخذ البربطى وقطع ذكره [61] وقلع عينيه، عقوبة له لنظره بهما إلى الحرم، ثم يصلبه؛ فسار صلاح الدين مجدّا، فلم يشعر البربطى (1) به، إلا وهو على باب البلد، فخرج إلى لقائه، فأكرمه صلاح الدين ودخل معه البلد، وقال له: «المولى أتابك يسلم عليك، ويريد أن يعلى قدرك ويرفع منزلتك، ويسلم إليك قلعة حلب، ويوليك جميع البلاد الشامية، لتكون هناك مثل نصير الدين، فتتجهز (?) وتحدر مالك في الماء إلى الموصل، وتسير إلى خدمته، ففرح بذلك، ولم يترك له من أمواله شيئا إلا نقله إلى السفن ليحدرها إلى الموصل في دجلة، فحين فرغ من جميع ذلك أخذه صلاح الدين وأمضى فيه ما أمر به، وأخذ جميع ماله، ولم يجسر أحد بعده على أفعاله القبيحة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015