سيء يتعالى ويتنزه عَنهُ لمنافاته لحكمته وغناه وكماله وَوُقُوع أَفعاله كلهَا على السداد وَالصَّوَاب وَالْحكمَة فَلَا يَلِيق بِهِ أَن يَجْعَل الْبر كالفاجر وَلَا المحسن كالمسيء وَلَا الْمُؤمن كالمفسد فِي الأَرْض فَدلَّ على أَن هَذَا قَبِيح فِي نَفسه تَعَالَى الله عَن فعله 0 وَمن هَذَا أَيْضا إِنْكَاره سُبْحَانَهُ على من جوز أَن يتْرك عباده سدى فَلَا يَأْمُرهُم وَلَا ينهاهم وَلَا يثيبهم وَلَا يعاقبهم وَأَن هَذَا الحسبان بَاطِل وَالله متعال عَنهُ لمنافاته لحكمته وكماله كَمَا قَالَ تَعَالَى {أيحسب الْإِنْسَان أَن يتْرك سدى} قَالَ الشَّافِعِي رضى الله عَنهُ أَي مهملا لَا يُؤمر وَلَا ينْهَى وَقَالَ غَيره لَا يُثَاب وَلَا يُعَاقب وَالْقَوْلَان وَاحِد لِأَن الثَّوَاب وَالْعِقَاب غَايَة الْأَمر والنهى فَهُوَ سُبْحَانَهُ خلقهمْ لِلْأَمْرِ والنهى فِي الدُّنْيَا وَالثَّوَاب وَالْعِقَاب فِي الْآخِرَة فَأنْكر سُبْحَانَهُ على من زعم أَنه يتْرك سدى إِنْكَار من جعل فِي الْعقل استقباح ذَلِك واستهجانه وَأَنه لَا يَلِيق أَن ينْسب ذَلِك إِلَى احكم الْحَاكِمين 0
وَمثله وَقَوله تَعَالَى {أفحسبتم أَنما خَلَقْنَاكُمْ عَبَثا وأنكم إِلَيْنَا لَا ترجعون فتعالى الله الْملك الْحق لَا إِلَه إِلَّا هُوَ رب الْعَرْش الْكَرِيم} فنزه نَفسه سُبْحَانَهُ وباعدها عَن هَذَا الحسبان وَأَنه يتعالى عَنهُ وَلَا يَلِيق بِهِ لقبحه ولمنافاته لحكمته وَملكه وإلهيته أَفلا ترى كَيفَ ظهر فِي الْعقل الشَّهَادَة بِدِينِهِ وشرعه وبثوابه وعقابه وَهَذَا يدل على إِثْبَات الْمعَاد بِالْعقلِ كَمَا يدل على إثْبَاته بِالسَّمْعِ وَكَذَلِكَ دينه وَأمره وَمَا بعث بِهِ رسله هُوَ ثَابت فِي الْعُقُول جملَة ثمَّ علم بِالْوَحْي فقد تطابقت شَهَادَة الْعقل وَالْوَحي على توحيده وشرعه والتصديق بوعده ووعيده وَأَنه سُبْحَانَهُ دَعَا عباده على أَلْسِنَة رسله إِلَى مَا وضع فِي الْعُقُول حسنه والتصديق بِهِ جملَة فجَاء الْوَحْي مفصلا مُبينًا ومقررا ومذكرا لما هُوَ مركوز فِي الْفطر والعقول وَلِهَذَا سَأَلَ هِرقل أَبَا سُفْيَان فِي جملَة مَا سَأَلَهُ من أَدِلَّة النُّبُوَّة وشواهدها عَمَّا يَأْمر بِهِ النَّبِي فَقَالَ بِمَ يَأْمُركُمْ قَالَ يَأْمُرنَا بِالصَّلَاةِ والصدق والعفاف فَجعل مَا يَأْمر بِهِ من أَدِلَّة نبوته فَأن أكذب الْخلق وأفجرهم من أدعى النُّبُوَّة وَهُوَ كَاذِب فِيهَا على الله وَهَذَا محَال أَن يَأْمر إِلَّا بِمَا يَلِيق بكذبه وفجوره وافترائه فدعوته تلِيق بِهِ وَأما الصَّادِق الْبَار الَّذِي هُوَ أصدق الْخلق وأبرهم فدعوته لَا تكون إِلَّا أكمل دَعْوَة وَأَشْرَفهَا وأجلها وَأَعْظَمهَا فَإِن الْعُقُول وَالْفطر تشهد بحسنها وَصدق الْقَائِم بهَا فَلَو كَانَت الْأَفْعَال كلهَا سَوَاء فِي نفس الْأَمر لم يكن هُنَاكَ فرقان بَين مَا يجوز أَن يَدْعُو إِلَيْهِ الرَّسُول ومالا يجوز أَن يَدْعُو إِلَيْهِ إِذْ الْعرف وضده إِنَّمَا يعلم بِنَفس الدعْوَة وَالْأَمر وَالنَّهْي وَكَذَلِكَ مسئلة النَّجَاشِيّ لجَعْفَر وَأَصْحَابه عَمَّا يَدْعُو إِلَيْهِ الرَّسُول فَدلَّ على أَنه من المستقر فِي الْعُقُول وَالْفطر انقسام الْأَفْعَال إِلَى قَبِيح وَحسن فِي نَفسه وَأَن الرُّسُل تَدْعُو إِلَى حسنها وتنهى عَن قبيحها وَأَن ذَلِك من آيَات صدقهم وبراهين رسالتهم وَهُوَ أولى وَأعظم عِنْد أولي الْأَلْبَاب والحجى من مُجَرّد خوارق