بالوحي؛ فقد تطابقت شهادةُ العقل والوحي على توحيده وشرعه، والتَّصديق بوعده ووعيده، وأنه سبحانه دعا عبادَه على ألسنة رسله إلى ما وضع في العقول حُسْنَه والتَّصديقَ به جملةً، فجاء الوحيُ مفصِّلًا ومبيِّنًا ومقرِّرًا ومذكِّرًا لما هو مركوزٌ في الفِطر والعقول.
ولهذا سأل هِرَقْلُ أبا سفيانَ في جملة ما مسألة عنه من أدلَّة النُّبوَّة وشواهدها عمَّا يأمرُ به النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فقال: بم يأمرُكم؟ قال: يأمرُنا بالصَّلاة والصِّدق والعفاف (?)، فجَعَل ما يأمرُ به من أدلَّة نبوَّته؛ فإنَّ أكذبَ الخلق وأفجَرهم من ادَّعى النَّبوَّة وهو كاذبٌ فيها على الله، وهذا محالٌ أن يأمر إلا بما يليقُ بكذبه وفجوره وافترائه، فدعوتُه تليقُ به، وأمَّا الصَّادقُ البارُّ الذي هو أصدقُ الخلق وأبرُّهم، فدعوتُه لا تكونُ إلا أكملَ دعوةٍ وأشرفَها وأجلَّها وأعظمَها؛ فإنَّ العقول والفِطر تشهدُ بحُسْنها وصِدق القائم بها.
فلو كانت الأفعالُ كلُّها سواءً في نفس الأمر لم يكن هناك فرقانٌ بين ما يجوزُ أن يدعو إليه الرسول وما لا يجوزُ أن يدعو إليه، إذ العُرْفُ [وضدُّه] (?) إنما يُعْلَمُ بنفس الدَّعوة والأمر والنهي.
وكذلك مسألةُ النَّجاشيِّ لجعفر وأصحابه عمَّا يدعو إليه الرسول (?).