* وقال تعالى: {فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ} [النساء: 160]، فايُّ شيءٍ أصرحُ من هذا (?)؟ ! حيثُ أخبَر سبحانه أنه حرَّمه عليهم مع كونه طيّبًا في نفسه، فلولا أنَّ طِيبَه أمرٌ ثابتٌ له بدون الأمر لم يكن ليجمع الطِّيبَ والتَّحريم.
وقد أخبَر تعالى أنه حرَّم عليهم طيِّباتٍ كانت حلالًا عقوبةً لهم، فهذا تحريمُ عقوبة، بخلاف التَّحريم على هذه الأمَّة فإنه تحريمُ صيانةٍ وحماية، ولا فرق عند النُّفاة بين الأمرين، بل الكلُّ سواء.
فالله سبحانه (?) أمر عبادَه بما أمرهم به رحمةً منه وإحسانًا وإنعامًا عليهم، لأنَّ صلاحهم في معاشهم وأبدانهم وأحوالهم وفي معادهم ومآلهم إنما هو بفعلِ ما أُمِروا به، وهو في ذلك بمنزلة الغذاء الذي لا قِوام للبدن إلا به، بل أعظم، ليس مجرَّد تكليفٍ وابتلاءٍ كما يظنُّه كثيرٌ من النَّاس، ونهاهم عما نهاهم عنه صيانةً وحِمْيةً (?) لهم، إذ لا بقاء لصحَّتهم ولا حِفظ لها إلا بهذه الحِمْية.
فلم يأمرهم حاجةً منه إليهم وهو الغنيُّ الحميد، ولا حرَّم عليهم ما حرَّم بخلًا منه عليهم وهو الجوادُ الكريم، بل أمرُه ونهيه عينُ حظِّهم وسعادتهم العاجلة والآجلة، ومَصْدَرُ أمره ونهيه رحمتُه الواسعة وبرُّه وجودُه وإحسانُه وإنعامُه، فلا يُسألُ عمَّا يفعل؛ لكمال حكمته وعلمه ووقوع أفعاله على وَفْق المصلحة والرحمة والحكمة.