وهذان المشهدان يَطْرحان العبدَ على باب المحبة، ويفتحان له من المعارف والعلوم أمورًا لا يُعَبَّرُ عنها.
وهذا بابٌ عظيمٌ من أبواب المعرفة قلَّ من استفتحه من النَّاس، وهو شهودُ الحكمة البالغة في قضاء السيِّئات وتقدير المعاصي، وإنما استفتح النَّاسُ بابَ الحِكَم في الأوامر والنَّواهي، وخاضوا فيها، وأتوا بما وصلت إليه علومُهم، واستفتحوا أيضًا بابها في المخلوقات، كما قدَّمناه، وأتوا فيه بما وصلت إليه قُواهم، وأمَّا هذا البابُ فكما رأيتَ كلامهم فيه، فقلَّ أن ترى لأحدهم (?) فيه ما يشفي أو يُلِمُّ (?).
وكيف يطَّلعُ على حكمة هذا الباب من عنده أنَّ أعمال العباد ليست مخلوقةً لله، ولا داخلةً تحت مشيئته أصلًا؟ ! وكيف يتطلَّبُ لها حكمةً أو يثبتُها؟ !
أم كيف يطَّلعُ عليها من يقول: هي خلقُ الله، ولكنَّ أفعاله غيرُ معلَّلةٍ بالحِكَم ولا تَدْخُلها لامُ تعليلٍ أصلًا، وإن جاء شيءٌ من ذلك صُرِف إلى لام العاقبة لا إلى لام العلَّة والغاية، فإذا جاءت الباءُ في أفعاله صُرِفت إلى باء المصاحبة لا إلى باء السَّببية؟ !
وإذا كان المتكلِّمون عند النَّاس هم هؤلاء الطَّائفتين، فإنهم لا يرون الحقَّ خارجًا عنهما، ثمَّ كثيرٌ من الفضلاء يتحيَّر إذا رأى بعض أقوالهم الفاسدة من ... (?)، ولا يدري أين يذهب.