واقعَه مواقعةَ ذليلٍ منكسرٍ خاضعٍ لربِّه خائفٍ منه، يَعْتَلِجُ في صدره شهوةُ النفس الذَّنبَ وكراهةُ (?) الإيمان له؛ فهو يجيبُ داعي النفس تارةً وداعي الإيمان تارات (?).

فأمَّا من بني أمرَه على أن لا يَعِفَّ عن ذنب (?)، ولا يقدِّم خوفًا ولا يدَع لله شهوةً وهو فَرِحٌ مسرورٌ يضحكُ ظهرًا لبطنٍ إذا ظفر بالذَّنب، فهذا الذي يُخافُ عليه أن يُحال بينه وبين التَّوبة، ولا يوفَّق لها؛ فإنَّه مِنْ معاصيه وقبائحه على نقدٍ عاجلٍ يتقاضاه سلفًا وتعجيلًا، ومِنْ توبته وإيابه ورجوعه إلى الله على دَينٍ مؤجَّلٍ إلى انقضاء الأجل.

وإنما كان هذا الضَّربُ من النَّاس يُحالُ بينهم وبين التَّوبة غالبًا لأنَّ النُّزوع عن اللذَّات والشهوات إلي مخالفة الطَّبع والنفس- والاستمرار على ذلك - شديدٌ على النفس، صعبٌ عليها، أثقلُ من الجبال عليها، ولا سيَّما إذا انضاف إلى ذلك ضعفُ البصيرة، وقلَّةُ النَّصيب من الإيمان، فنفسُه لا تطوِّعُ له (?) أن يبيع نقدًا بنسيئةٍ ولا عاجلًا بآجل، كما قال بعضُ هؤلاء وقد سُئل: أيما أحبُّ إليك درهمٌ اليوم أو دينارٌ غدًا؟ فقال: لا هذا ولا هذا، ولكن ربعُ درهمٍ من أوَّل أمس!

فحرامٌ على هؤلاء أن يوفَّقوا للتَّوبة إلا أن يشاء الله.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015