الخالقُ البارئُ المصوِّرُ رب العالمين، وقيُّومُ السَّموات والأرضين وربُّ المشارق والمغارب الذي أحسنَ كلَّ شيء خَلَقه، وأتقنَ ما صنع.
فما لك جحدتَ أسماءَه وصفاته، بل وذاتَه، وأضفتَ صُنْعَه إلى غيره وخلقَه إلى سواه، مع أنك مضطرٌّ إلى الإقرار به وإضافة الإبداع والخلق والرُّبوبية والتَّدبير إليه ولا بُدَّ؟ ! فالحمدُ لله رب العالمين.
على أنك لو تأمَّلتَ قولك: "طبيعة" ومعنى هذه اللفظة، لدلَّك على الخالق البارئ لفظُها كما دَلَّ العقولَ عليه معناها (?)؛ لأنَّ "طبيعة" فَعِيلة بمعنى مفعولة، أي: مطبوعة، ولا يحتَملُ غيرُ هذا (?) البتَّة؛ لأنها على بناء الغرائز التي رُكِّبت في الجسم ووُضِعَت فيه، كالسَّجِيَّة والغريزة والنَّحِيزة (?) والسليقة والطبيعة؛ فهي التي طُبع عليها الحيوانُ وطُبِعَت فيه.
ومعلومٌ أنَّ طبيعةً مِنْ غير طابعٍ لها محال؛ فقد دلَّ لفظُ الطَّبيعة على الباري تعالى كما دلَّ معناها عليه.
والمسلمون يقولون: إنَّ الطبيعة خلقٌ مِنْ خَلْق الله مسخَّرٌ مربوب، وهي سنَّته في خليقته التي أجراها عليها، ثمَّ إنه يتصرَّفُ فيها كيف شاء وكما شاء، فيسلُبها تأثيرَها إذا أراد، ويقلبُ تأثيرَها إلى ضدِّه إذا شاء؛ ليُرِيَ عبادَه أنه