فتأمَّل خِلْقةَ الجِذْع الذي لها كيف هو، تجدْه كالمنسوج من خيوطٍ ممدودةٍ كالسَّدى، وأخرى معترضةً كاللُّحْمة (?)، كنحو المنسوج باليد، وذلك لتشتدَّ (?) وتَصْلُب، فلا تتقصَّف (?) مِنْ حَمْل القِنْوان الثقيلة (?)، وتصبرَ على هزِّ الرياح (?) العاصفة، ولبثِّها في السُّقوف (?) والجسور والأواني وغير ذلك مما يُتَّخَذُ منها.

وهكذا سائرُ الخشب غيرها فيه إذا تأمَّلتَه شِبْه النَّسج، ولا تراه مُصْمَتًا كالحجر الصَّلْد، بل ترى بعضَه كأنه يُداخِلُ بعضًا طولًا وعرضًا كتداخُل أجزاء اللُّحَم بعضها في بعض؛ فإنَّ ذلك أمتنُ له وأهيأُ لما يُرادُ منه، فإنه لو كان مُصْمَتًا (?) كالحجارة لم يُمْكِن أن يُستَعمل في الآلات والأبواب والأواني والأمتعة والأسرَّة والتَّوابيت وما أشبهها.

ومن بديع الحكمة في الخشب أنْ جُعِل يطفو على الماء، وذلك للحكمة البالغة؛ إذ لولا ذلك لمَا كانت هذه السُّفنُ تحملُ أمثال الجبال من الحُمولات والأمتعة، وتَمْخُرُ البحرَ مقبلةً ومدبرة، ولولا ذلك لما تهيَّأ للنَّاس هذه المرافقُ لحمل هذه التِّجارات العظيمة والأمتعة الكثيرة ونقلِها

طور بواسطة نورين ميديا © 2015