فمنها غِلاظٌ ممتدَّةٌ في الطُّول والعرض، ومنها دِقاقٌ تتخلَّلُ تلك الغِلاظ، منسوجةً نسجًا دقيقًا مُعْجِبًا لو كان مما يتولى البشرُ صُنع مثله بأيديهم لما فُرِغ من ورقةٍ في عامٍ كامل، ولاحتاجُوا فيه إلى آلاتٍ وحركاتٍ وعلاجٍ تعجزُ قدرتهم عن تحصيله، فبثَّ الخلَّاقُ العليمُ في أيامٍ قلائل من ذلك ما يملأ الأرض سَهْلَها وجبالها بلا آلاتٍ ولا مُعينٍ ولا فكرةٍ ولا معالجة، إن هي إلا إرادتُه النَّافذةُ في كلِّ شيء، وقدرتُه التي لا يمتنعُ منها شيء؛ {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس: 82].
فتأمَّل الحكمةَ في تلك العروق المتخلِّلة للورقة (?) بأسْرِها لتسقيها وتُوصِل (?) إليها المادَّة فتحفظ عليها حياتها ونضارتها، لمنزلة العروق المبثوثة في الأبدان التي تُوصلُ الغذاءَ إلى كلِّ جزءٍ منه.
وتأمَّل ما في العروق الغِلاظ من إمساكها الورقَ بصلابتها ومتانتها لئلَّا تتمزَّق وتضمحلَّ (?)، فهي بمنزلة الأعصاب لبدن الحيوان، فتراها قد أُحكِمَت صَنْعَتُها ومُدَّت العروقُ فى طولها وعرضِها لتتماسك فلا يَعْرِضُ لها التَّمزُّق.
فصل
ثمَّ تأمَّل حكمةَ اللطيف الخبير في كونها (?) جُعِلَت زينةً للشجر، وسِتْرًا ولباسًا للثَّمرة، ووقايةً لها من الآفات التي تمنعُ كمالها؛ ولهذا إذا جُرِّدَت